أمر القضاء المصري أمس بإخلاء سبيل الرئيس السابق حسني مبارك على ذمة التحقيقات التي تجري معه في شأن اتهامه بالكسب غير المشروع، لكن مبارك سيظل قيد الحبس على ذمة قضيتي تلقيه هدايا من مؤسسة الأهرام الحكومية وفساد في تطوير قصور رئاسية. وفي حين أعلن النائب العام انه سيطعن في القرار القضائي، قال رئيس هيئة الدفاع عن مبارك المحامي فريد الديب إنه سيبدأ في إجراءات الطعن في قرار حبس مبارك خلال أيام تمهيداً لإطلاقه من محبسه في سجن طرة. وبدا أن قرار إخلاء سبيل مبارك، وهو الثاني من نوعه خلال أسبوع، أحرج نظام الحكم الذي كان قد تعهد غير مرة بالقصاص لشهداء الثورة، ومحاربة فساد النظام السابق، ما سيزيد من حدة استهداف مناصري الحكم الذي تهيمن عليه جماعة «الإخوان المسلمين» للسلطة القضائية. ويأتي ذلك في وقت تسبب تعديل بعض الأحزاب المنخرطة في «جبهة الإنقاذ الوطني» موقفها من مقاطعة الانتخابات التشريعية إلى المشاركة فيها، بنشوء تصدعات في بنية الجبهة التي تضم غالبية قوى المعارضة، الأمر الذي يصب في مصلحة حزب الإخواني الحاكم في الاستحقاق النيابي المتوقع أن يبدأ في أيلول (سبتمبر) المقبل. من جانبه تعهد الرئيس المصري محمد مرسي بتعيين «الاكفأ» في تغيير وزاري وحركة محافظين ينوي تنفيذها في شكل وشيك. وقال مرسي على «تويتر»: «تعديل وزاري وحركة محافظين، والأكفأ هو من سيتولى المسؤولية من أجل تحقيق أهداف الثورة»، من دون أن يخوض في تفاصيل عدد الحقائب التي سيتم الإطاحة بها وما إن كان التغيير سيضم معارضين أم محسوبين على جماعة الإخوان المسلمين. لكن مرسي شدد على أن أرض مصر «حرام على غير المصريين»، في ما بدا رداً على الجدل الذي أثير حول وضع حلايب وشلاتين (على الحدود مع السودان)، إضافة إلى نفوذ متزايد لحركة «حماس» الفلسطينية في سيناء. من جانبه دعا المنسق العام ل «جبهة الإنقاذ الوطني» محمد البرادعي كل الأطراف إلى «التوافق على قيم مشتركة وخطة طريق لإنقاذ الوطن»، معتبراً أن «هذا هو المخرج الوحيد»، مشدداً على أن «مصر ملك للجميع ويجب أن نتعلم كيف نعيش جميعاً معاً». وكانت غرفة المشورة في محكمة استئناف القاهرة أمرت بإخلاء سبيل الرئيس السابق مبارك على ذمة التحقيقات التي تجري معه في قضية اتهامه بتضخم ثروته بصورة كبيرة لا تتفق مع مصادر دخله المشروعة على نحو يمثل كسباً غير مشروع. وكانت محكمة جنايات القاهرة حكمت الأسبوع الماضي بإخلاء سبيل مبارك في قضية قتل المتظاهرين أثناء الانتفاضة التي أطاحت به عام 2011، لكنه بقي محبوساً احتياطياً على ذمة التحقيق في قضايا الكسب غير المشروع وتبديد المال العام وقصور الرئاسة. وعقدت محكمة الجنح المستأنفة المنعقدة في غرفة المشورة جلستها داخل سجن طرة أمس للنظر في التظلم المقدم من مبارك ضد قرار استمرار حبسه احتياطياً على ذمة قضية اتهامه بالكسب غير المشروع. وجاء قرار إخلاء سبيله على ذمة التحقيقات، بضمان محل إقامته، حيث تضمن قرار المحكمة: «قبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المستأنف وإخلاء سبيل المتهم (الرئيس السابق مبارك) بضمان محل إقامته». وفي بداية الجلسة، ترافع المحامي عن الرئيس السابق فريد الديب من دون حضور مبارك، وأكد عدم توافر مبررات لاستمرار حبسه احتياطياً على ذمة التحقيقات. وقالت المحكمة في حيثيات (أسباب) حكمها إنه لا يجوز تنفيذ أوامر الحبس الاحتياطي التي تصدر بعد مضي 6 أشهر من تاريخ صدورها ما لم تعتمد لمدة أخرى. واستندت المحكمة على اعتبار أن مبارك تم التحقيق معه بمعرفة إدارة الكسب غير المشروع ومر قرابة عامين على صدور قرار حبسه احتياطياً على ذمة التحقيقات، ومن ثم فلم يتم مراعاة شروط الحبس الاحتياطي، فوقع هذا الحبس باطلاً. تحالف قوى المعارضة في غضون ذلك، لاحت بوادر انشقاقات داخل تحالف قوى المعارضة المصرية، على خلفية إعلان بعض أطرافها المشاركة في الاستحقاق التشريعي المرتقب، وهو ما ينذر بتمزق «جبهة الإنقاذ» وتشرذمها قبل الانتخابات، الأمر الذي يصب في مصلحة حزب الحرية والعدالة (التابع ل «الإخوان») الذي يسعى إلى تأمين غالبية نيابية مريحة تتيح له تشكيل حكومة وتمرير القوانين. وصدر عن الجبهة الخميس الماضي بيان مشترك أعلنت فيه إلغاء قرارها السابق بمقاطعة الانتخابات، قبل أن يخرج قادة آخرون من داخل الجبهة ليؤكدوا أن مشاركتهم في الانتخابات البرلمانية المقبلة لا تزال مشروطة بموافقة الحكومة على قائمة من المطالب. وانتقد حزب «المؤتمر» (تحت التأسيس) المنخرط في الجبهة، ما وصفه ب «عشوائية إعلامية ملحوظة في الجبهة، أدت إلى صدور بيانات صحافية لم يتم التوافق على مضمونها ولا الاتفاق على صياغاتها، وخصوصاً في ما يتعلق بقضية الانتخابات والمشاركة فيها من عدمه». وقال الحزب، الذي يقوده الديبلوماسي المخضرم عمرو موسى، في بيان له أمس «إن الظروف الحالية والصدامات المستمرة ورفض تغيير الحكومة والنائب العام كلها تشير إلى صعوبة اتخاذ قرار من الحزب أو الجبهة بالمشاركة في الانتخابات التشريعية أو عدمها من دون بحث الظروف والمتطلبات الأساسية التي قد تتيح الفرصة للمشاركة، وعلى رأس هذه النقاط حياد السلطة التي تدير العملية الانتخابية، وقانون الانتخابات، وتقسيم الدوائر بطريقة سليمة، والمتابعة الدولية، والإشراف الكامل للقضاء، مع الحماية الكاملة بواسطة القوات المسلحة». كما أعلن حزب «الوفد»، وهو واحد من أكبر الأحزاب المنخرطة في الجبهة، رفضه خوض الانتخابات النيابية المقبلة، مشيراً في بيان له أنه تم دعوة الهيئة العليا للانعقاد لبحث انسحاب «الوفد» من «جبهة الإنقاذ»، معتبراً أن صدور القرار في مثل هذا التوقيت وفي ظل الأحداث التي تمر بها البلاد يجهض كل محاولات التوافق الوطني والسعي إلى مصالحة وطنية شاملة. ووصف الحزب القرار بأنه «استسلام غير مقبول من جانب المعارضة ورضوخ لقرارات استبدادية اتخذها النظام وهي قرارات أثرنا اعتراضاً عليها ورفضاً لها وقاطعنا الانتخابات النيابية بسببها». وأكد الحزب رفضه لقرار «جبهة الإنقاذ» في ظل «عناد» السلطة وتمسكها بموقفها وعدم استجابتها لأي من مطالب المعارضة.