أكتب عن إرهاب بوسطن. أكتب عن الحياة، لا الموت. في 19/4/1995 كنت أحضر اجتماعاً لمجلس مستشاري مركز الدراسات العربية المعاصرة في جامعة جورجتاون، حيث درست يوماً. كنا نراجع مشاريع دراسية وقضايا للطلاب، عندما دخلت علينا سكرتيرة استأذنتنا أن تفتح التلفزيون، وهي فعلت، ووجدنا أنفسنا نتابع التفجير في وسط اوكلاهوما سيتي الذي أودى بحياة 168 شخصاً بينهم 19 طفلاً. رئيس مجلس المستشارين كان الصديق نمير قيردار، رئيس بنك الاستثمار إنفستكورب، والمبنى حيث يُعقد الاجتماع النسوي بُنيَ ثلثاه بإشراف أخينا نمير والثلث بتمويل من حسيب الصبّاغ، رحمه الله، ويضم مركز حوار المسيحية والإسلام. العرب مثلي في مجلس المستشارين أُحرِجوا أمام مشاهد القتل والتدمير، خشية أن يكون إرهابيون عرب وراء الجريمة، وبدأت أدعو -كالعادة- أن يكون الإرهابيون من غير العرب والمسلمين، وأصلي وأنذر النذورات، واستجاب الله دعائي، فقد تبيَّن بعد ذلك أن وراء العمل الإرهابيِّ الأميركيَّ تيموثي ماكفي، الذي أعدِم في 11/6/2001. قبل ذلك، وتحديداً في 21/12/1988، أي بعد حوالى شهر من عودة «الحياة» إلى الصدور، دخلت السكرتيرة عليّ وفتحت التلفزيون، لأفاجأ بسقوط طائرة بان أميركان الرحلة الرقم 103، فوق لوكربي في إسكتلندا، ما أدى إلى مقتل 270 شخصاً، بينهم 11 شخصاً قُتِلوا على الأرض نتيجةَ سقوط الطائرة عليهم (إرهاب 7/7/2005 ضد وسائل النقل في لندن لم يترك لي فرصة للدعاء، فقد كان انتحارياً، وراح ضحيته 52 شخصاً مع أربعة انتحاريين). مع لوكربي، وكالعادة في الأعمال الإرهابية، جلستُ في مكتبي وأنا أدعو ألاّ يكون الإرهابيون عرباً. هذه المرة لم يستجب ربنا دعائي، فقد كان ليبيون وراء الإرهاب، ومعمر القذافي اعترف بمسؤولية ليبيا عنه سنة 2003، وإن أنكر معرفته الشخصية به، ودفَعَ تعويضات لأهالي الضحايا. عادت إليّ ذكريات لوكربي وأوكلاهوما سيتي ولندن وأنا أتابع الإرهاب خلال ماراثون بوسطن، فقد نِمْتُ على أخباره الأحد 14 من هذا الشهر، واستيقظت عليها الإثنين، وبقيت الأسبوع كله أتابع الخبر عبر وسائل الميديا العالمية كافة، فيما أنا أدعو أن يكون الإرهابيون من غير العرب والمسلمين. ولا أزال أدعو، وقد اعتُقِل رجل أرسل مادة ريسين السامة في رسائل إلى باراك اوباما وعضو في مجلس الشيوخ، ما يذكّرنا بعمل مماثل رافق إرهاب 2001. أكتب ظهر الجمعة والصور التي رأيتها للمشتبه بهم في بوسطن يمكن أن تكون لعرب، إلا أن شرطة بوسطن رجحت أنهما شقيقان من الشيشان قُتِل أحدهما والبحث جارٍ عن الثاني، فلا أقول سوى: رحمتك يا رب. أعداء العرب والمسلمين في الميديا الأميركية قرروا فوراً أن وراء إرهاب بوسطن القاعدة، وهي إرهابية فعلاً، وقادرة على جريمة من نوع قتل طفل بريء أو عدّاءة شابة، وبعضهم قارن بين إرهاب الماراثون وإرهاب 11/9/2001 في نيويورك، مع أن المقارنة صعبة ففي الإرهاب السابق قُتِل حوالى ثلاثة آلاف شخص مقابل ثلاثة في بوسطن. كنت أتابع الإرهاب وأدعو، ثم أُجري مقارنة خاصة بي غير ما سبق. ما حدث في بوسطن جريمة فظيعة، وأرجو أن يُضبَط الإرهابيون جميعاً وأن يُعاقَبوا بالصلب لا مجرد الإعدام بحبل أو كرسي كهربائي، غير أن القتلى في النهاية ثلاثة، فتهمل الميديا الأميركية وبعض العالمية، كلَّ خبر آخر لمتابعة خبرهم، فهم من شعوب تحترم الحياة وتدافع عن حق كل إنسان أن يحيا بحرية من دون خوف. في المقابل أقارن ببلادنا، ففي كل يوم قتلى واغتيالات في العراق، وجرائم حرب في سورية. وقد رأينا ما أوقعت الثورة في ليبيا من ضحايا، وقبل ذلك السودان واليمن، وأخيراً جنوبالجزائر. يُقتل عشرات وربما مئات العرب والمسلمين كل يوم، فلا ينتصر لهم غير أهلهم، كأن الموت ضريبة حكومية أو إرهابية، ويُقتل منهم ثلاثة فينتصرون للحياة لأنها حق. [email protected]