يتابع المتفرجون بين وقت وآخر برامج تلفزيونية تهتم بصحة المشاهدين وما يناسبهم من أغذية يرى المختصون الذين تستضيفهم أنها الأنسب والأفضل. ومع هذا لا بد للمرء من الإشارة إلى أن موضوع التغذية – وبعد ذلك الأدوية – يبدو غالباً مثار جدل وخلافات تعكس وجهات نظر علمية طبية وغذائية لا نعتقد بأنه قابل للحسم لمصلحة هذا الرأي أو ذاك، لسبب بسيط هو أنه خلاف بين تيارات علمية لا ولن تتوقف. من هنا، فإن ما يهمّ الحديث عنه هنا هو بالذات حيرة المشاهد بين الآراء المتضاربة، وحتى المتناقضة تجاه هذه «العادة» الغذائية أو تلك، والذي يجعله غير قادر على اتخاذ موقف حاسم يحدد من خلاله موقفه النهائي. مثلاً يتحدث كثر من الأطباء عن مضار القهوة وما يسببه تناولها والإكثار منها من مضاعفات صحية خصوصاً في ما يتصل بأمراض القلب والشرايين والأعصاب، وتبعاً لذلك ينصحنا القائلون بذلك بالتخفيف إلى أبعد الحدود من شرب القهوة، وفي المقابل كثرت الآراء والتقارير الطبية التي تذهب في اتجاه معاكس ويعتبر أصحابها أن القهوة بريئة من كل ذلك، بل إنها كما يقولون، تساعد على تنشيط الدورة الدموية والذاكرة، ولا تأثير سلبيا لها في القلب أو الشرايين. والحال أن المشاهد يقف دائماً أمام تناقض كهذا عاجزاً غير قادر على اتخاذ قرار حاسم. وما يفاقم المشكلة أن الأمر يتعلق بواحدة من أكثر عاداتنا اليومية رسوخاً. فمن منا لا يبدأ يومه كل صباح بالقهوة؟ أي أن الأمر يعني الغالبية الساحقة من البشر في العالم الذين يشربون القهوة ويشاهدون التلفزيون في الوقت نفسه وبالإدمان ذاته، وهؤلاء إذ يقفون باحثين عن جواب نهائي لا يجدونه على رغم تعدُّد المختصين، بل وبسبب تعدُدهم وتعدُد آرائهم إلى حد التناقض. ليس التلفزيون بالطبع وزارة صحة، كما أنه ليس مركزاً للبحوث الطبية. لكنه مع ذلك بات شريكاً لوزارة الصحة وربما في بعض الأحيان منافساً لمراكز البحوث الطبية. كما أنه، وربما يكون هذا من أخطر ما في الأمر، يتفوَّق على الطرفين بصلته المباشرة بجمهور عريض من المشاهدين الذين يتابعون برامجه ويصدقونها غالباً. وهذه بالتأكيد حقيقة نفترض أنها تضع الشاشة الصغيرة أمام مسؤولية على درجة كبرى من الأهمية والخطورة. هل علينا أن نشرب القهوة أم نكف عن ذلك؟ هو سؤال مثال القهوة فيه ليس سوى «وسيلة إيضاح» لأسئلة كثيرة أخرى لا تزال حائرة تبحث عن إجابات حقيقية.