إيمان حمصي كانت من أكثر الأشخاص الذين عرفتهم، نقاوة وطهارة في المجال الفني. كانت فنانة صادقة وبريئة، وبرحيلها خسرت صديقة غالية وفنانة كبيرة رافقتني في كل حفلاتي في أوروبا والعالم العربي. جلنا معاً الدول الأوروبية وقدمنا أهم العروض على المسارح الكبرى في مختلف أنحاء العالم. وأنا كنت شاهدة على الرهبة التي تخلفها إيمان في نفوس عازفي القانون أينما حلّت. جميعهم كانوا يتهيبون أمامها لأنهم يعرفون قيمتها، بينما تظل هي صامتة من شدّة تواضعها. لا تدعي بنفسها ولا تتبجح، برغم أنّها فنانة كبيرة جداً. ولأنني كنت أؤمن بموهبتها، كنت كلّما عزفت تقسيمة في حفلة ما، أزيح من مكاني إلى طرف المسرح حتى أجعلها في الواجهة لأنها تستحق أن تكون نجمة المسرح، ولو لخمس دقائق. ولا أنسى تفاعل الجمهور مع التقسيمة التي تعزفها إيمان، إذ كانوا يتمنون لو أنني أنتظر أكثر بينما تكمل هي عزفها الذي يشعرهم بالامتلاء. إيمان حمصي من الأشخاص النادرين الذين كانوا يعملون في الفن للفن فقط. وكنت أعشق العمل معها وكلما أعطيتها عملاً أحسست أنه في أيد أمينة لأنها فنانة تعمل بشغف، ولا توفر طاقة أو مجهوداً. وفي آخر حفلة قدمناها معاً في بيروت قبل أشهر، كانت تعاني إيمان آلاماً في ظهرها وكتفها إلا أنها لم تتلكأ عن حضور أي تمرين، وكانت حاضرة في خمس عشرة بروفة من غير أن تظهر لأحد حقيقة وجعها. ولكن يوم الحفلة أسرّت لي بأنها لا تعرف كيف ستقضي ساعة ونصف ساعة وهي جالسة على الكرسي، إلا أنها دخلت المسرح وعزفت وأبدعت. هي امرأة قوية وجبارة حتى في أقسى لحظات حياتها. ولا يمكن أن نتكلم عن أيمان من غير أن نتطرق إلى مشروعها الكبير باختراع تقنية جديدة تقوم على العزف بالأصابع العشر، بدلاً من الإصبعين. وهي تخصصت من أجل ذلك في الهارمونيا حتى تتمكن من دمج الأصوات بأسلوب جديد. اجتهدت في مشروعها هذا كي تقول للعالم إن القانون آلة غير محدودة، ومن الممكن أن تدخل في فرقة سيمفونية. ومن مواهب إيمان أنها كانت تعزف في الحفلة الواحدة بإصبعين مرة وبالأصابع العشر مرة أخرى. إيمان حمصي لم تكن مجرد عازفة قانون وإنما مجددة ومحدثة في مجال العزف على هذه الآلة الجميلة. ومع كل ألمنا على فراقها، نتمنى أن تكون روحها مرتاحة في السماء بعد سنوات من العذاب.