لا تجلس إيمان حمصي الى القانون لتعزف على أوتاره بل هي تنحني أو بالأحرى تحنو عليه وكأنه فلذة كبد وليس آلة. هذا ما يلاحظه او يشعر به من يشاهدها في اطلالاتها المتعددة، الفردية والجماعية، وآخر هذه الإطلالات حفلة أحيتها في جامعة البلمند (شمال لبنان) واختارت لها عنواناً معبّراً هو «لمن يغني القانون؟». والعنوان هذا يدلّ فعلاً على المغامرة التي خاضتها إيمان وتخوضها في عالم القانون، تقسيماً وتأليفاً وإعداداً، وقد أضافت اليه حال الأداء وكأن القانون تحت أصابعها الرشيقة يؤدّي أو يغني. وهذا فعلاً ما أنجزته بقدراتها التقنية وأحاسيسها ومشاعرها التي أتاحت لها التوغّل في «دواخل» الموسيقى المعزوفة وكأن الأصابع تتصل بالقلب مباشرة من دون أن تتخلّى لحظة عن المهارة في ملامسة الأوتار ومخاطبتها. منذ أن أطلت إيمان حمصي قبل أعوام لفتت الجمهور، المسرحي والتلفزيوني، في كونها أولاً امرأة تعزف على آلة غالباً ما جذبت العازفين الرجال ثمّ في عزفها نفسه الذي يتميز بالرهافة والإحساس العميق والوعي التقني للآلة وشروطها. ولم تلبث أن راحت تحترف فن هذه الآلة، متخطية مهمة العزف الى الاداء المتفرّد والتأليف، مختبرة معطيات القانون كآلة وموسيقى، ساعية للبحث عن طرائق خاصة في التعاطي مع الموسيقى الشرقية ومقطوعاتها. ونجحت فعلاً، هي ابنة الاختصاص الأكاديمي أن تطوع هذه الآلة، جامعة بين الطابع الشرقي والطابع الغربي، كما بين الكلاسيكية والحداثة، بين الارتجال والتدوين الموسيقي. في المقطوعات التي أدّتها وقسّمتها أو عزفتها في آن واحد، تجلّت فرادة هذه العازفة أو الموسيقية بالأحرى، سواء في تقنياتها أم في تآليفها. وقد تركت فسحة للارتجال الحيّ والجميل الذي لوّن المقطوعات الشرقية والتراثية مثل: آمنت بالله، الورد جميل، تفتا هندي، بنت الشلبية ويا مرسال المراسيل وسواها. واستطاعت عبر هذه المقطوعات أن تجعل العزف يرقى الى مصاف التأليف الموسيقي والشعري، مختزلة الجمل الميلودية والكلام في لعبة التقسيم المشبعة بالرهافة والمرونة والإصغاء والتعبير... أما في المقطوعات التي ألفتها ومنها على سبيل المثل: سارة، إي.إر.أم، تاليا...، فسمحت لنفسها أن تتحرّر من أسر القوالب الكلاسيكية، معبّرة عن أفكار وأحوال عاشتها بقلبها وروحها وخيالها. وكما اعتادت دوماً في حفلاتها، الجماعية والفردية، اعتمدت إيمان تقنية العزف بالأصبعين وهي التقنية التقليدية، وكذلك تقنية العزف بالأصابع العشر الحديثة التي برعت فيها وتميّزت، مستفيدة من معطيات القانون اكثر ما أمكنها أن تستفيد. ومعروف أن إيمان، سعت عبر تعمّقها في أعمال موسيقيين أوروبيين، الى عزف مقطوعاتهم على القانون، مبتكرة تقنية العزف بالأصابع الثماني التي كانت ثمرة اختباراتها الشخصية ولم تدرسها على أحد من العازفين أو الأساتذة. وكانت هذه التقنية بمثابة تحدّ لها عندما راحت تطبقها على الموسيقى العربية الكلاسيكية. مرة أخرى تؤكد إيمان حمصي، من شدّة حبها للقانون واحنائها عليه والتعمق في أسراره وامتلاك تقنياته، أن هذه الآلة يمكنها أن تكون مفردة وأن تحتل وحدها المسرح، مخاطبة الجمهور ومؤثرة فيه وكأنها أكثر من آلة. ومرّة أخرى تثبت إيمان حمصي أنها «سيدة القانون» كما سمّيت وأن القانون تحت اصابعها يصبح آلة ساحرة، بما توقظ فيه أصابعها من أنغام وأحاسيس وأبعاد.