أبرزت مشاورات بعثة صندوق النقد الدولي في القاهرة تبايناً لافتاً في صفوف «جبهة الإنقاذ الوطني» المعارضة إزاء القرض الذي طلبته الحكومة من الصندوق بقيمة 4.8 بليون دولار، ما جدد التساؤلات عن قدرتها على الاستمرار وعن ماهية المشروع الاقتصادي الذي تطرحه الجبهة بديلاً عن سياسات الحكم. ولوحظ أخيراً تراجع نشاط الجبهة التي تضم غالبية قوى المعارضة، حتى أنها غابت عن تظاهرات عدة نظمها ناشطون لقضايا تتبناها. كما بدا واضحاً أن الجمود على الساحة السياسية أثر في تماسك الجبهة، إذ لم يُعلن اجتماع قادتها خلال نحو شهر على غير العادة. وبدأت التباينات الاستراتيجية في المواقف تظهر إلى العلن، وهو ما برز عندما التقى قادة الجبهة بعثة صندوق النقد الدولي للتشاور في شأن القرض الذي طلبته الحكومة، إذ أبدت الأحزاب اليمينية في الجبهة، خصوصاً «الوفد» برئاسة السيد البدوي و «المؤتمر» (تحت التأسيس) برئاسة عمرو موسى، انسجاماً مع الموقف الحكومي باعتبار القرض «ضرورة ملحة في هذه المرحلة». في المقابل، أبدى مؤسس «التيار الشعبي» حمدين صباحي تحفظه عن القرض ومخاوفه من تأثيره على الطبقات الفقيرة، وطالب بأن تستخدم أموال القرض في مشاريع إنتاجية من دون رفع الدعم على السلع الرئيسة والطاقة. وقال صباحي في بيان عقب لقائه بعثة الصندوق: «أبلغت البعثة ترحيبنا بأي دعم غير مشروط للاقتصاد المصري على أساس ألا تحمل شروط القرض أي أعباء إضافية على الفقراء والعمال والفلاحين والطبقة الوسطى الذين يشكلون النسبة الغالبة من الشعب المصري، ولا يمكن الموافقة على قرض تحمل شروطه رفع الدعم عن السلع الأساسية التي ستتحملها الشريحة الأكبر»، مطالباً ب «ألا تتضمن شروط القرض كيفية توظيفه». ورفض عمرو موسى اعتبار أن الجبهة تتوارى، مشيراً إلى أنه «كانت هناك اتصالات خلال الأسبوعين الماضيين، ورسائل متبادلة هنا وهناك تركزت على ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية». ورأى أن تراجع نشاط الجبهة «لم يكن إلا فترة ديبلوماسية هادئة». ونفى ل «الحياة» وجود خلافات تهدد تماسك الجبهة، مؤكداً أنها «اجتهادات وليست خلافات... هناك اختلافات في الرؤى، لكننا متفقون على ضرورة الحفاظ على تماسك الجبهة وألا تؤثر الاختلافات في كيان الجبهة». وأشار إلى أنه عندما التقى بعثة صندوق النقد «كان موقفنا واضحاً في شأن أهمية القرض بالنسبة إلى مصر، مع الأخذ في الاعتبار أن نصف المصريين فقراء ولا يجب تحميلهم أي آثار». ورفض عضو «جبهة الإنقاذ» النائب السابق عمرو حمزاوي القول إن الجبهة «توارت عن المشهد»، معتبراً أن «من الخطأ الخلط في التقويم بين المعارضة والحكم. ما زالت مواقفنا واضحة في شأن الأزمات السياسية التي تمر بها البلاد، وليست لدينا مساحات للفعل السياسي ولا يجب حصر المعارضة في تنظيم التظاهرات». لكنه أقر ضمناً بأن الجبهة لا تعمل على قلب رجل واحد، مشيراً إلى أن «أفراداً داخلها يتحركون على الأرض لبناء قواعد شعبية وتقديم البديل»، كما اعترف بتراجع شعبية الجبهة «بسبب حملات التشويه الممنهجة التي تستهدفها». وأعلن أن الجبهة تستعد للانتخابات التشريعية «وإن كانت لم تحسم موقفها سواء بالمضي في موقفها السابق بالمقاطعة أو تغييره والمشاركة... نستعد وكأننا سنخوض الاستحقاق، لكننا لم نحسم موقفنا بانتظار متغيرات جديدة على الأرض». غير أن الخبير في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» عمرو الشوبكي اختلف مع طرح حمزاوي، معتبراً أن «الجبهة فشلت في تقديم البديل عن حكم الإخوان». وأوضح أن «المشكلة في أداء الجبهة أنها كانت رد فعل للإخوان، ولعبت دوراً في تعبئة الشارع ضد الإعلان الدستوري، وظهرت المعارضة المدنية موحدة للمرة الأولى، لكن هذا حدث في أعقاب خطيئة الإعلان الدستوري، ولم تنجح الجبهة في طرح نفسها لغالبية الناس بديلاً مقنعاً للنظام، وحتى المبادرات أو السياسات البديلة كلها كانت بأسماء تيار أو فصيل وليس باسم الجبهة كقالب واحد». ورأى أنه «في حال غاب الإخوان المسلمون عن المشهد ستظهر الخلافات الموضوعية وتتصاعد... فالجبهة تضم ثلاثة تيارات يساري وديموقراطي اجتماعي ويميني محافظ... جزء من تماسك الجبهة هو استئثار الإخوان». وأشار إلى أنه في حال حسمت الجبهة موقفها بالمشاركة في الانتخابات «ستعتمد أساساً في وسائلها الدعائية على معارضة سياسات الإخوان، وتقديم نفسها على أنها قادرة على إحداث التوازن في المشهد، لكنها ستظل غير قادرة على تقديم برامج سياسية واقتصادية». في غضون ذلك، أكد الأمين العام لحزب «النور» السلفي جلال مرة أن «الاتصالات لا تزال قائمة مع الرئاسة والحزب الحاكم من جهة، وبعض قادة جبهة الإنقاذ من جهة أخرى في محاولة لرأب الصدع، لكننا لم نتوصل إلى نتائج على الأرض». وأشار إلى أن «هناك اتفاقاً بين الجميع على أن مصر في مأزق والمشهد فيه احتقان كبير، ولا بد من الخروج منه، لكن عند الخوض في تفاصيل كيفية الخروج من هذه الأزمة تكون المعضلة واختلافات الرؤى».