تبدو الرياض مدينة مختلفة ليس على مستوى السعودية فحسب بل في العالم العربي، إذ أن من يرغب بالسهر هنا إلى ساعات الفجر الأولى قد يضطر إلى قطع مسافات تصل أحياناً إلى عشرات الكيلومترات. هذه المدينة التي تعد الأكبر مساحة في العالم العربي بعد القاهرة وتضم نحو خمسة ملايين نسمة، تنتشر على أطرافها خصوصاً الشرقية منها، عشرات المتنزهات بعضها خاص بالعائلات وأخرى تقدم الشيشة ويحتكرها العزاب. ويمكن القول إن ما أسس لثقافة السهر «على الأطراف» خصوصاً بين الشبان والفتيات، هو ظاهرة انتشار الاستراحات التي بدأت الظهور مطلع التسعينات من القرن الماضي، حتى صارت الآن الألوف منها تحيط بالمدينة من جوانبها كافة. والاستراحة أشبه ما تكون ب»شاليه صحراوي»، وتحوي غالباً وسائل ترفيه، مثل بركة سباحة، ومساحات خضر، وملعب كرة طائرة وقدم، إضافة إلى غرف جلوس، وأحياناً نوم. ويبدو أن هناك توجهاً رسمياً لنشر ثقافة السهر على «الأطراف»، إذ يحظر إنشاء متنزهات تقدم الشيشة داخل المدينة، كما أن الاستراحات ممنوعة أيضاً داخل الأحياء السكنية. وثقافة السهر في الاستراحات بين الشبان متفشية خصوصاً في الرياض التي أجبرت جميع مطاعمها والمحال فيها على الإغلاق عند 12 ليلاً منذ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. وجرت العادة أن تستأجر مجموعة من نحو عشرة شبان استراحة بشكل سنوي، على أن يلتقوا فيها بشكل يومي، ويستقبلوا فيها ضيوفهم. بل إن بعضهم لا يجد حرجاً في المبيت أحياناً في الاستراحة، التي تتضمن خدمات القهوة والشاي والطعام، فضلاً عن مهمات التنظيف. ومرتادو الاستراحة ليسوا من طبقة محددة بل من شرائح اجتماعية مختلفة، حتى أن المتدينين يجدون فيها مكاناً مناسباً لإقامة أنشطتهم. كما أن بعض المتنزهات الأخرى الخاصة بالشباب، التي تقدم الشيشة وتضم صالات ألعاب مثل البليارود، تؤجر غرفاً خاصة بشكل شهري تلقى إقبالاً كبيراً. وتحوي هذه الغرفة المؤثثة غالباً وفقاً للطريقة المحلية، شاشة تلفزيون كبيرة، يمكن من خلالها مشاهدة قنوات الرياضة والأفلام المشفرة. ولا يوجد إحصاء رسمي يحدد عدد الاستراحات في الرياض والسعودية بشكل عام، إلا أن مسؤولاً في وزارة الداخلية أكد ل»الحياة» أن الوزارة تدرس قانوناً ينظم عملها. ويقول منير (24 عاماً) الذي يستأجر منذ ثلاثة أعوام هو وستة من أصدقائه استراحة شمال شرقي الرياض، تبعد عن وسط المدينة نحو 40 كيلومترا: «أعتقد أن الاستراحة مكان ترفيهي يمنح خصوصية كبيرة، وهو ما تبحث عنه غالبية الشبان، فهنا يستطيعون فعل أي شيء يرغبون فيه». ويضيف: «أرتاد الاستراحة بشكل شبه يومي، وأقضي فيها أحياناً أكثر من 6 ساعات يومياً، خصوصاً في عطلة نهاية الأسبوع، وفي فصل الصيف لممارسة السباحة». على الجانب الآخر، يلفت سطام (22 عاماً) إلى «علامات الدهشة، التي أرصدها على من يزور الرياض للمرة الأولى حتى أولئك الذين يأتون من مدن سعودية أخرى». ويوضح ان «هؤلاء يستغربون عدم وجود متنزهات تقدم الشيشة داخل المدينة»، مبيناً أن كثيرين من الزوار، خصوصاً من المدن الصغيرة، يرون أن «الشيشة» لا يستحق التمتع بها قطع مسافة تزيد عن 30 كيلومتراً. وتقول فاطمة (24 عاماً) إنها تحرص هي وصديقاتها على إقامة الحفلات في استراحات. وتتابع: «غالباً ما نحرص على أن تكون الاستراحة بعيدة من المدينة لئلا نسبب إزعاجاً لأحد، لأننا نأتي غالباً بفرقة غنائية وتستمر الحفلة حتى موعد أذان الفجر».