هناك من أدرك أن الثورة ليست فقط نصب خيم في ميدان التحرير واعتصاماً على أبواب الاتحادية واحتجاجاً خارج الوزارات. ربما أدركوا أن ساعة العمل قد دقت، وربما عرفوا أن الثورة في مرحلة إجهاض، لكن المؤكد أنهم أيقنوا أن قليلاً من العمل لا يضر، وأن العجلة لا تدور فقط بالدستور المسلوق، لكن يمكن أن تدفع دفعاً بالتفكير والإبداع والابتكار في مجالات أخرى لا تقل ثورية عن الثورة، لكنها تصب في صميم عجلة الإنتاج! عجلة أخرى دارت في أرجاء الجامعة الأميركية في القاهرة، لكنها عجلة صوتية حرارية أدارها عشرة من الشباب والشابات وأساتذتهم في كلية الهندسة. أيقن أولئك الطلاب أن مشكلات مصر لا تقتصر على نظام الحكم الجديد القاصر، ولا يختصرها تنازع الإسلاميين والليبراليين على السلطة، ولكن مخاطر الظلام الناجم عن انقطاع الكهرباء، وكارثة طوابير الوقود التي تغلق الشوارع. ومعضلة توفير الطاقة للمصانع التي تتفاقم وتزداد تعقيداً بسذاجة التعامل الرسمي مع الأزمة الاقتصادية دفعت أولئك الشباب للتفكير والابتكار! مدير «مركز يوسف جميل لأبحاث العلوم والتكنولوجيا» في الجامعة الأميركية في القاهرة الدكتور إيهاب عبدالرحمن يقول: «وضع غريب جداً أن نجد الغرب هو الضالع في بحوث الطاقة الشمسية، على رغم وفرتها لدينا، جنباً إلى جنب مع الكوادر البشرية المتميزة والمؤهلة بحثياً، بالإضافة إلى مشكلة نقص الطاقة التي نواجهها». وكانت النتيجة توصل مجموعة من الطلاب بقيادة عبدالرحمن وعدد من الأساتذة لاختراع محرك صوتي حراري يحول الصوتية إلى كهرباء. الاختراع الجاري تسجيله حالياً من شأنه أن يوفر فرص عمل لتخصصات مختلفة مثل الهندسة والكيمياء والفيزياء. وعلى رغم مشكلات البحث العلمي وقوانينه المنظمة في مصر، وما يتصل بها من نقص إمكانات وخدمات، فإن الفريق البحثي أكد أنه محظوظ بالإمكانات التي توفرها الجامعة الأميركية من جهة، إضافة إلى أن حماسة الشباب وطاقاتهم المتفجرة تتحدى على ما يبدو الأجواء الطاردة للبحث. الفريق الشبابي له كل الحق في أن يشعر بالفخر والزهو! فالاختراع نموذج قابل للتوسعة والتطبيق، ويكفي أن تزايد الطلب على الطاقة يعني خفضاً في إنتاج الطاقة غير المتجددة، وهو ما يعني أنه آن أوان ترشيد الطلب على الطاقة غير المتجددة. لم يتفوه الطلاب والأساتذة الذين توصلوا إلى هذا الاختراع مرة بكلمة «ثورة»، لكن حديثهم كان عامراً بكلمات «البحث» و«العمل» و«الابتكار»، وجميعها ألفاظ ثورية المنهج... «تري» (أو شجرة) عبارة عن مجموعات من المدربين الشباب يتطوعون لتدريب مجموعات من الطلاب والطالبات على تنفيذ فكرة أو مشروع في مجالات بعينها. المشروع الحالي الذي تعمل عليه «تري» هو تدريب الطلاب على تطبيقات على الهواتف المحمولة العاملة على نظام «أندرويد» تتسم بالعملية والقابلية للتنفيذ والفائدة التي تعم على أكبر عدد ممكن من المستخدمين. مسؤول هذا النشاط الطالب هشام حسنين يقول: «كفانا تظاهرات وتضييعاً للوقت في المقاهي، وعلى كل منا أن يبدأ في التفكير في مشروع أو فكرة تصلح أن تتحول إلى مشروع، بدلاً من أن ننتظر آخرين يمدون إلينا طوق النجاة. مصر ستعلو وتخرج مما هي فيه بشبابها و «تري» هي إحدى وسائل النجاة». فريق «تري» يتكون من 120 طالباً وطالبة في الجامعات المصرية مقسمين إلى خمس لجان: التسويق، العلاقات الخارجية، التصميم، تطوير المجتمع والتنظيم. ويشرح عضو لجنة العلاقات الخارجية الطالب في كلية التجارة محمد سعد هيكلة «تري»: «تعتمد على تنظيم دورات تدريب مكثفة للطلاب على عمل تطبيقات المحمول على «أندرويد»، ثم نتابع التطبيقات العملية التي يقومون بها بعد التدريب، ونقوم بتسويقها فعلياً من خلال اللجان المختلفة. مهمة لجنة التسويق هي التسويق للمنتج، وتتصل لجنة العلاقات الخارجية بأصحاب الأعمال والشركات وغيرها، بالإضافة إلى التواصل مع الرعاة. وتصمم لجنة التصميم الشعارات والموقع الإلكتروني والملصقات والصور الفوتوغرافية. وتدمج لجنة تنمية المجتمع نشاطات «تري» مع المجتمع من خلال تنظيم فعاليات تفيد المستشفيات القائمة على التبرعات والفئات الأكثر حاجة في المجتمع، فيما مسؤولية لجنة التنظيم ابتداع الفعاليات التي يتم تنظيمها في نهاية الدورات التدريبية وخروج المنتج النهائي إلى النور». يقول سعد إن رد فعل الطلاب على نشاطات «تري» أكثر من ممتاز! ويبدو أن كثيرين لديهم أفكار ومشروعات ورغبات حقيقية في صقل مواهبهم ومهاراتهم. «تري» ليس لها سقف في نوعية الأفكار التي يمكن أن تتبناها، بدءاً بالتكنولوجيا ومروراً بالصناعة وانتهاء بالتجارة، لكن هناك ثلاثة ممنوعات: السياسة والرياضة والدين. يقول سعد إن كل ما من شأنه أن يفرق الطلاب أو يفتح المجال للتعصب أو التحزب أو التفرق مرفوض في «تري».