يعرف عن سيارات الاجرة السوداء الشهيرة في لندن مزايا كثيرة ليس اقلها الراحة في داخلها وكياسة سائقيها، الا ان ما قد يفاجئ الكثيرين هي نتائج دراسة علمية حديثة اظهرت ان قيادة سيارات الاجرة اللندنية تنمي الطاقات الذهنية. على متن سيارات التاكسي في لندن، لا وجود لاجهزة تعمل بنظام التموضع العالمي (جي بي اس) او لخرائط، فالسائقون يعرفون المدينة غيبا، ويفضلون الاعتماد على ذاكرتهم اكثر من التكنولوجيا. ويوضح بيتر الن وهو احد سائقي سيارات الاجرة السوداء البالغ عددهم 20 الفا في العاصمة البريطانية، لوكالة فرانس برس "لسنا بحاجة لذلك (اجهزة جي بي اس). تقول لنفسك فقط +حسنا، علي الذهاب في هذا الاتجاه. اذا هيا بنا+. كسائق سيارة اجرة، الامر يصبح تلقائيا. غالبا ما نفعل ذلك من دون تفكير. دماغنا مبرمج". واظهرت دراسة نشرت نتائجها مؤخرا ان المنطقة المسؤولة عن الذاكرة المكانية في الدماغ والمعروفة بالحصين كانت اكبر بكثير لدى سائقي سيارات الاجرة. وهذه الدراسة التي اشرفت عليها اليانور ماغواير الاستاذة في قسم علوم الجهاز العصبي في جامعة "يونيفرسيتي كوليدج اوف لندن" ومولتها مؤسسة "ويلكوم ترست" وهي من اغنى المؤسسات المتخصصة في المجال الطبي، استندت الى مقارنة بين دماغ سائقي الاجرة وذلك الموجود لدى سائقي الحافلات. وتبين بحسب الدراسة ان حجم المادة الرمادية في الحصين اكبر لدى سائقي سيارات الاجرة. وسبب هذه الخاصية وفق الدراسة هو التدريب الذي يتلقاه سائقو سيارات الاجرة قبل مباشرة وظيفتهم. ويقضي هذا التدريب المعروف باسم "ذي نولدج" (المعرفة) بالسماح لسائقي التاكسي بالتنقل "بعينين مغمضتين" في الشوارع والازقة ال25 الفا في لندن. وفي المعدل، تستغرق هذه الدراسة ما بين ثلاثة او اربعة اعوام. الا ان بيتر الن نجح في الحصول على شهادته بعد سنتين ونصف السنة فقط. وفي مدرسة "نولدج بوينت"، احدى المدارس القليلة المتخصصة في تدريب سائقي الاجرة، اجواء الدراسة جدية. ويقوم حوالى 30 متدربا من الرجال حصرا، جالسين امام خرائط بلاستيكية ضخمة، بالتدرب. ويسأل ديريك اوريلي مدير المدرسة "ممنوع النظر الى الخرائط، لريدكم ان تتخيلوا الامر بانفسكم. اركب سيارة الاجرة خاصتكم في محطة تشانسيري لاين واريد التوجه الى مانور هاوس. كيف تفعلون ذلك؟" وخلال ساعة ونصف الساعة، يمطر اوريلي متدربيه باسماء الشوارع. وعلى جميع الراغبين في ان يصبحوا سائقي سيارات اجرة ان يكرروا العملية مرارا وتكرارا كي يكون لديهم امل في النجاح بالامتحان النهائي. ويشرح ديريك اوريلي انه "بعد اجتياز امتحان مكتوب بنجاح، على المتدربين ان يجروا حوالى عشرين اختبارا شفهيا تمتد عموما على سنتين"، مضيفا "بامكاننا سؤالهم عن احد الشوارع ال25 الفا في المدينة، عشوائيا". وبامكان الحاصلين على الشهادة ان يفتخروا بذاكرتهم المكانية التي تفوق المعدل العام. لكن، "في حين ينجحون بشكل افضل بكثير من سائقي الحافلات في الاختبارات المتعلقة بمعرفة لندن، الا ان سائقي الاجرة يحرزون نتائج اضعف في الحصول او في تذكر معلومات مرئية مكانية جديدة"، وفق دراسة اليانور ماغواير. وفي المحصلة، حالما ينتهي تدريبهم، يواجه سائقو الاجرة صعوبات في حفظ طرق جديدة. حتى ان السائقين الذين يتوقفون عن العمل يبدأ الحصين لديهم بالاضمحلال ليصل الى حجمه الاساسي.