كان شاغل تركيا الأسبوع الماضي، تشكيل لجنة الحكماء المكلفة تذليل القضية الكردية، لإرساء حل سياسي واجتماعي لها في وقت سُجِّل أمر بالغ الأهمية في الجارة الجنوبية سورية. إذ استهدف الجيش السوري– ولأول مرة- بالسلاح الثقيل الفصائل الكردية في شمال البلاد، تحديداً قوات «حزب الاتحاد الديموقراطي» التابعة لحزب العمال الكردستاني (بزعامة عبدالله أوجلان) أو جناحه في سورية. ولا يخفى أن قوات الحزب هذا استولت العام الماضي على بعض المناطق في شمال سورية وفي القامشلي، وآنذاك اعتبر الإعلام التركي إن حزب العمال الكردستاني صار يسيطر على شمال سورية، وسيرسي فيديرالية هناك تماثل تلك التي في شمال العراق. وعلى رغم التزام «الاتحاد الديموقراطي» الحياد في سورية، وتحصين نفسه في مناطقه، والنأي بها عن الحرب الدائرة، لم تتراجع أنقرة عن اتهامها إياه بموالاة النظام السوري. واليوم، يبدو أن عملية السلام في تركيا والعملية السلمية التي أطلقها عبدالله أوجلان من أجل حل القضية الكردية في تركيا، بدأتا تؤثران في أكراد سورية. فقبل أسبوع تقريباً، اندلعت اشتباكات بين فصائل «الاتحاد الديموقراطي» وجيش النظام السوري في القامشلي، تبعها قصف الجيش المنطقةَ هذه والأحياء الكردية في حلب، وبينها حي الشيخ مقصود. ووفق مواقع حزب العمال الكردستاني، أدى قصف النظام السوري على أحياء حلب إلى مقتل 15 كردياً من المدنيين، وبينهم أطفال. وردّت قوات الحزب فأردت 9 جنود سوريين في حلب انتقاماً، وهذا يعني أن حزب العمال صار يقاتل نظام الأسد في سورية! اتصلتُ بقائد حزب «الاتحاد الديموقراطي» في سورية صالح مسلم وسألته عن الموضوع، فعزا اندلاع القتال إلى سببين: الأول الاتفاق الذي أبرمه حزبه مع «الجيش الحر» في راس العين وبعض المناطق، ويقضي بالتعاون والتنسيق، وذلك إثر اشتباك القوات الكردية مع مجموعات سلفية وجهادية وتدخُّل «الجيش الحر» وإبرامه هدنة. وثانيهما عملية السلام التي بدأت في تركيا مع أوجلان، ويبدو أنها أزعجت دمشق. وأعلن مسلم أن قوات حزبه لن تهاجم القوات النظامية السورية، وأنه يلتزم الدفاع عن النفس فقط، فهو لن ينضم إلى صفوف المعارضة السورية المسلحة قبل أن تعترف بحقوق الأكراد كاملة في سورية الجديدة. وبعد هذا الحديث، ورد خبر مقتل 9 جنود سوريين، فبدا أن الأمور قد تخرج عن السيطرة بين الأكراد والجيش السوري. والواقع أن تركيا تشهد ربيعاً ساخناً هذا العام تتسارع فيه الأحداث. فأولاً أعلن أوجلان الانعطاف نحو السلم وتخلي حزبه عن الفكر الانفصالي، وقبوله أن ينضم إلى مشروع تركيا الكبرى. وثانياً تمَّ التصالح مع إسرائيل، ثم تلته زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري أنقرة ودعوته إياها للعودة إلى لعب دور الوسيط في عملية السلام في الشرق الأوسط... كل هذه الأحداث يشير إلى دور بارز ستؤديه تركيا في المنطقة التي تعصف بها التغيرات ويعاد رسم وجهها. وتركيا لا تخفي مواقفها، ولا تتستر على نزعاتها الإمبراطورية القديمة الجديدة إزاء هذا التغيير والوضع الطارئ في المنطقة. * كاتبة، عن «مللييت» التركية، 7/4/2013، إعداد يوسف الشريف