حققت أسواق الاستثمار في العالم قدرة على جذب رؤوس الأموال إلى اقتصاداتها، على رغم الغموض في مجال الفرص الاستثمارية المتاحة وجدواها وارتفاع درجة الأخطار. وبذلك سلكت هذه الأسواق اتجاهاً يخالف المفهوم الطبيعي لتحرّك رؤوس الأموال المتوافرة للاستثمار من مواطن الضعف والتراجع والخطر، إلى مواطن الاستقرار والأمان والنمو، واستمرارها في الدوران وفق مسار الفرص المتوافرة ودرجة الأمان ومقدار الأرباح المتوقعة. واعتبرت شركة «المزايا القابضة» في تقرير أسبوعي، أن في هذه الحالة «يُعتمد لدى اتخاذ قرارات الاستثمار الطويلة الأجل على مؤشرات النجاح الطويل المدى المرتكزة على الدورة الاقتصادية». ولفتت إلى أن كل قرارات المستثمرين في المنطقة أفراداً ومؤسسات، «طغى عليها الاتجاه نحو الاستثمار الخارجي، وحملت معها أخطار الدول والأسواق». ولم تغفل «تسجيل خسائر كبيرة في أحيان كثيرة على قيمة التوظيف، نتيجة صعوبة تقويم الأخطار في هذه الدول والأسواق، نظراً إلى اتساع أوجه الاستثمار، وعدم القدرة على مجاراة التطورات المالية في هذه الأسواق». ولاحظ التقرير، أن دول المنطقة «نجحت خلال الفترة التي سبقت أزمة المال العالمية، في استقطاب نسبة جيدة من الاستثمارات الخارجية، ساهمت في تسريع وتيرة النشاط في القطاعين العقاري والمالي تحديداً، واقتصرت على التوظيفات السريعة، المعروفة بالسيولة الساخنة الانتقائية مستهدفة فرصاً محددة، وشكل الاستثمار غير المباشر لدى بورصات المنطقة نسبة كبيرة منها. وكانت النتائج الملموسة لهذه الاستثمارات سلبية، وساهمت في تكوين فقاعة الأسعار للأسهم، وعملت أيضاً على انفجار الفقاعة في شكل أسرع من التوقعات، أدت إلى تسجيل مزيد من التراجع والخسائر على المراكز المحمولة من المستثمرين على المستويين المحلي والإقليمي». ورصد التقرير «استمرار آثاره حتى الآن، سواء على مستوى الأسعار الحالية مقارنة بأسعار الكلفة الحقيقية، أم على وتيرة النشاط والقدرة على جذب المستثمرين والسيولة». وأشار التقرير، إلى أن الدور الحكومي «كان بارزاً ومؤثراً في دعم مسيرة النمو والتنمية المستقرة من خلال تواصل المشاريع الحكومية الضخمة في كل المجالات، والتي أعطت للقطاع العقاري القدرة على الاستمرار وفق منظور جديد من الأولويات والمشاريع المدروسة، وهي تساهم في شكل أو آخر في إنتاج عائدات أو نفقات طويلة الأمد». ورأت أن تنوع المشاريع التي نفّذتها حكومات دول المنطقة وتستمر في تنفيذها، «ساهمت في بقاء الدورة الاقتصادية عند حدود آمنة، وفي الحفاظ على القطاع الخاص في مواقعه خلال السنوات الثلاث الماضية، بمعنى آخر تراجع دور القطاع الخاص وكذلك قدرته على التأثير في التنمية والإنتاج، وفق حجم التداعيات السلبية التي أحاطت به، إضافة إلى الزخم الاستثماري والقدرة على التخطيط التي تتمتع بها دول المنطقة». الانفاق الحكومي وعلى الجانب المشرق من المعادلة، أشار تقرير «المزايا»، إلى الإنفاق الاستثماري الحكومي الضخم الذي «قاد إلى تشجيع القطاع الخاص على العودة إلى ميادين العمل». ورصد «عودة مدروسة ومتدرجة وانتقائية يقودها القطاع في المجال العقاري الذي يسجل حالياً بداية انتعاش، لتكون الخطط الاستثمارية الحالية قائمة على التجارب السابقة والأخطاء المسجلة». في حين توقع أن تقطف اقتصادات المنطقة «ثمار استثمارات القطاعين الخاص والعام ونتائجه». وأكد أن من السابق لأوانه «التفاؤل» في قدرة الخطط الاستثمارية والاستثمارات قيد التنفيذ والمنتهية على «قلب معادلة الاستثمارات التقليدية المتبعة منذ زمن بعيد». لكن المؤشرات الخاصة بالقطاعات العقارية والصناعية والسياحية، «إيجابية ومدعومة بعوامل داخلية، تتعلق بعمليات التركيز والتطوير على القطاعات الرئيسة وفي مقدمها العقاري، إضافة إلى الدعم والزخم الاستثماري المخصص للبنية الأساسية لدى الدول». وهو أشار استناداً إلى تقرير، إلى «تخصيص 286 بليون دولار لطرح مشاريع عقارية متوقعة لدى دول المنطقة في السنوات الخمس المقبلة، ومن شأن التركيز الاستثماري الذي يشهد القطاع العقاري بوادره، أن ينعكس إيجاباً على كل القطاعات، يمثل الجانب الإيجابي المدروس الجزء الأكبر منه». وأكد تقرير «المزايا»، أن اقتصادات المنطقة «بدأت ترسّخ مكانتها الصحيحة على خريطة الاستثمار في العالم، وتُعتبر من أفضل مناطق الاستثمار أمناً واستقراراً وقدرة على إنتاج تدفقات نقدية موجبة، واستثمارات متوسطة وطويلة الأجل وذات جدوى متصاعدة». وفي تطور لافت، أشارت التقارير إلى «تسجيل تدفق استثماري للمدخرات والاستثمارات الأوروبية في اتجاه المنطقة وتحديداً إمارة دبي بقوة في الفترة الأخيرة، نتيجة استمرار الأزمات المالية في منطقة اليورو وتوقع اتساعها، ما أفقد المستثمرين الثقة في اقتصادات بلادهم واضطرارهم إلى البحث عن ملاذ آمن». في المقابل شكل النمو السكاني وتزايد الإنفاق الحكومي على مشاريع البنية التحتية نتيجة ارتفاع أسعار النفط ورغبة المستثمرين في خفض مستوى أخطار الاستثمارات، «دعماً قوياً لعودة الاستثمار في القطاع العقاري، باعتباره الأكثر ثباتاً مقارنة بالقطاعات الأخرى». وشدد التقرير على ضرورة «توافر مقومات وظروف تعمل على استغلال حركة رؤوس الأموال الباحثة عن ملاذات آمنة، في مقدمها بناء قواعد معلومات دقيقة ومحدثة عن القطاع العقاري، تساهم في توجيه المستثمرين نحو التوظيف الأفضل». في حين يستحوذ تطوير القواعد المنظمة للاستثمارات العقارية على أهمية كبيرة في «إزالة العراقيل أمام تدفق الاستثمارات العالمية».