مع اقتراب حرب أميركا على «داعش»، حدث أمر مغاير للسياق السابق كليّاً. فعلى رغم أن «تويتر» لم يعمد إلى إلغاء الحسابات المتصلة بأشخاص يروّجون ل «داعش»، وفق تصريحات كثيرة لمسؤولي الموقع الشهير، إلا أن تلك الحسابات دخلت في صمت مفاجئ، بحسب تصريحات أميركية متنوّعة. في المقابل، بيّن «تويتر» أنه ألغى بعض حسابات لأشخاص صدرت عنهم تهديدات ضد الموقع وموظّفيه، وهي حسابات قليلة العدد وتعود لأشخاص يروّجون ل «داعش». ومع سهولة استخدام الخليوي في بث التغريدات، يتميّز «تويتر» أيضاً بضآلة الشروط التي يفرضها على المحتوى، مقارنة بما يفعله «فايسبوك» مثلاً، ما جعل نشاط مناصري «داعش» عليه كبيراً. يصعب القول إنه خارج رقابة «الأخ الأكبر» الأميركي، وفق ما بيّنته وقائع الرقابة الإلكترونيّة الشاملة التي تمارسها «وكالة الأمن القومي» على الاتصالات كافة. ويبدو أن تلك الرقابة لها علاقة بالصمت المفاجئ، الذي لم يدم طويلاً، ل «داعش» على موقع «تويتر». وسرعان ما اتّضح أن الأمر كان متعلّقاً بتغيير في أسلوب التعامل مع «تويتر» في ظل الحرب على «داعش». ماذا تقول السينما؟ في المقابل، يستطيع «داعش» اللجوء إلى الشبكات الصينية، خصوصاً أنها لا تعدم أنصاراً هناك، لكن ذلك يعوقه الرقابة اللصيقة للحكومة الصينية التي تخوض حرباً ضد تنظيمات لها طابع إسلاموي. وطريّ في الذاكرة أنه عقب إعلان الخلافة الداعشية في الموصل في مطالع حزيران الفائت، عمدت الصين إلى اختراق حواسيب لمسؤولين أميركيين يتعاملون مع الشأنين العراقي والسوري. وحينها، راج أن الصين إنما تهدف إلى جمع معلومات عن «داعش» من حواسيب الاختصاصيين الأميركيين بشؤون ذلك التنظيم وخلافته. على رغم القوة التقنيّة الهائلة التي تملكها الولاياتالمتحدة في المعلوماتية والاتصالات المتطوّرة، إلا أن مجموعة من مواقع الإرهاب الإسلاموي ردّد تهديدات بشن هجمات على الانترنت ضد أميركا. من الناحية السياسيّة، يبدو الخطاب مألوفاً بشدّة. من ناحية استراتيجية، تلوح في الأفق مواجهة اخرى من نمط «الصراع اللامتكافئ»، ربما دارات رحاها على الانترنت، بين أتباع الخليفة الداعشي الافتراضي من جهة، والولاياتالمتحدة بوصفها قوة كبرى على الانترنت، من جهة اخرى. وعلى غرار الصراعات اللامتكافئة، يتعلّق الأمر كثيراً بقدرات الأفراد في الجانب الأقل قوّة. لذا، تروّج «داعش» انها جنّدت قرصان كومبيوتر محترفاً، في سجّله أنه اخترق البريد الإلكتروني لرئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير. هل قرأت «داعش» جيّداً التفاصيل والمعطيات التي تكشّفت في سياق فضيحة تنصّت «وكالة الأمن القومي» الأميركية على الكرة الأرضيّة بأسرها، قبل أن تطلق العنان لأنصارها بالحديث عن قُرب تنصيب «خليفة انترنتي» في الفضاء الافتراضي للانترنت؟ ربما يجدر ب»داعش» أن تتذكر أيضاً مآل صراع لا متكافئ يشبهها كثيراً، هو ذاك الذي دار بين أميركا و «القاعدة». بقول مختصر، هل ينتظر «خليفة الانترنت» مصير أسامة بن لادن؟ ربما يستطيع أنصار «داعش»، خصوصاً في أوقات الفراغ بين الذبح والسبي والاغتصاب والاستباحة والسلب، مشاهدة فيلم «زيرو دارك 30»، ليس لقيمته الفنيّة أو الوثائقيّة (هو مشكوك به في الأمرين)، بل لمجرد مزاولة ما ينبّه العقول ولا يسفك الدماء ولا يسير بتاريخ دين سماوي بأكمله إلى هاوية التخلّف السحيق.