سمع التونسيون خلال أقل من عشرة أيام الأخبار التالية: ثلاثة منحرفين يغتصبون امرأة في أشهر الحمل الأولى أمام عيني زوجها وفي وضح النهار، وحارس روضة أطفال يغتصب طفلة لا تتجاوز سنّها الثلاث سنوات، ومنحرف آخر يغتصب طفلة معوّقة في الحادية عشرة من العمر، فضلاً عن عمليات سرقة وقطع طرق وسلب ونهب وشتّى صنوف الجرائم التي تضاعفت في البلاد في ظل صمت حكومي مريب. ولكن تبقى جريمة اغتصاب الأطفال أكثر الجرائم التي تشدّ التونسيين في شكل غير مسبوق وتوحّد صفوفهم في وجوب اتخاذ التدابير الأمنية اللازمة من أجل مزيد من حماية المواطن في عرضه وحياته، فضلاً عن المطالبة بتفعيل عقوبة الإعدام. وأثارت حادثة اغتصاب الطفلة ابنة الثلاث سنوات قرفاً لدى التونسييّن وغضباً شديداً. وشهدت صفحات التواصل الاجتماعي سيلاً من الصور والتعليقات بيّنت ردود الفعل الرافضة والحانقة، والتي طالبت بالقصاص من كل من يعتدي على طفل أو طفلة مهما كان نوع الاعتداء. وحمّل البعض الرئيس التونسي الموقت جزءاً كبيراً من مسؤولية هذه الجرائم، لأنه ما فتئ في كل مناسبة يصدر عفواً عن مجموعة من المنحرفين من دون دراسة جيدة لملفاتهم، كما يقول أصحاب هذا الرأي. وما يجعل الناس يتفاعلون في شكل متشدد مع هذه الجرائم، هو مدى قسوة تلك الفعلة على نفسية الضحية عاجلاً وآجلاً، فضلاً عما تعانيه العائلة جراء الجريمة، سواء على المستوى النفسي أم الاجتماعي. أقتله ألف مرة ويطالب ناشطون على شبكة «فايسبوك» للتواصل الاجتماعي بإعادة تفعيل حكم الإعدام في تونس، والذي توقف منذ سنوات طويلة. وتقول ليلى: «لو كان في إمكاني لقتلت مغتصب الطفلة ألف مرة. فهذا ليس إنساناً، ولا يمكن أن يكون لديه إحساس أو مشاعر مثل التي عند البشر». وتضيف: «حتى الحيوانات لا تقوم بمثل هذه الأفعال الشاذة. يجب قتله أمام الناس في ساحة عامة، لكي يكون عبرة لغيره». في المقابل، ترفض ريم فكرة الإعدام تماماً، معتبرة إياه فعلاً غير إنساني. وتقول: «أنا ضد عقوبة الإعدام، مهما كان حجم الجريمة أو نوعها. فالقتل ليس حلاً، يجب التفكير في حلول جذرية لبعض الظواهر الاجتماعية الخطرة، وتنفيذ حكم الموت في مجرم لن يلغي هذه التصرفات». وترى أنّ مشكلة الاغتصاب قائمة منذ الأزل، وأحكام الإعدام التي نفذت في هذا الشأن لم توقف هذا المرض. لذلك لا فائدة تُرجى من القتل. وكتب شادي، وهو أب لبنتين (7 و11 سنة) في حنق واضح على صفحته على «فايسبوك» قائلاً: «لو أجد هذا المجرم أمامي لسلخت جلده عن لحمه حيّاً، ولرميته قطعاً للقطط والكلاب الشاردة». وجاءت غالبية التعليقات على ما كتبه مساندة له وداعمة لرغبة الانتقام، باعتبارها ضرورية ولا تقبل التأجيل أو المماطلة. وعلّق أحدهم بالقول: «عندما يتعلّق الأمر باغتصاب البراءة، فإنّ كلّ مشاعر الرحمة عندي تتوقّف، وأصبح مثل دبّ متوحّش يمكنني أنْ أنهشَ هذا الحيوان الذي افترس طفلة الثلاث سنوات». وكانت تونس شهدت حادثة مشابهة قبل أشهر، أقدمت فيها عمّة برفقة عشيقها على قتل ابن أخيها والتنكيل بجثتّه انتقاماً من رفض والده زواجهما. وحينها تعالت الأصوات بضرورة تفعيل عقوبة الإعدام. رأي علم الإجتماع وفي حال الطفلة ابنة السنوات الثلاث، يرى متخصصّون في علم الاجتماع أنّ من الضروري في البداية السعي إلى إحاطة عائلة الطفلة المغتصبة بالرعاية النفسية حتّى تتمكن من استيعاب الصدمة التي تعرضت لها، ومن ثمَّ عرض الطفلة على متخصص في علم نفس الأطفال يباشر معاجلتها بالإستعانة مع أفراد عائلتها. فالطفلة، بحسب تحليلهم، لن تستوعب ما حدث لها إلا بعد سنوات، ما يجعل مسألة العلاج المبكر ضرورية جداً. ويؤكد هؤلاء ضرورة تغيير مقر السكن لتخفيف التأثير المباشر في الضحية، مع وجوب تحمّل العائلة الدور الأكبر في مساعدة ابنتها على تجاوز ما حدث لها حتى لا يترك الحادث آثاراً سلبية في حياتها مستقبلاً.