يشهد الاقتصاد العالمي نقلة سريعة نحو الشرق، إذ إن النمو العالمي خلال العقد الماضي كان مدفوعاً من دول آسيا الناشئة التي كانت وما زالت المصدر الأساس للنمو، ما يشير إلى تغيرات هيكلية في النظام الاقتصادي. وأشار المحلل الاقتصادي في شركة «آسيا للاستثمار» كميل عقاد إلى أن «متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي لدول آسيا، باستثناء اليابان، بلغ 7.3 في المئة سنوياً منذ عام 2000، بينما بلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي لدول مجموعة الثلاث التي تتضمن الولاياتالمتحدة وأوروبا واليابان 1.5 في المئة سنوياً فقط». ولفت إلى أن «نتيجة لذلك، انخفضت حصة دول مجموعة الثلاث من الناتج المحلي الإجمالي العالمي من 71.8 إلى 52.9 في المئة خلال الفترة المذكورة، بينما تضاعفت حصة آسيا الناشئة من 10.8 إلى 21.5 في المئة». وأكد عقاد أن «هذه التغيرات تؤثر في كل مجالات الاقتصاد، ومنها صادرات الطاقة من الدول الخليجية، فمنذ اكتشاف النفط كانت مجموعة الثلاث أهم الدول المستوردة للنفط الخليجي، ومنذ عام 1990 كانت تستورد 45 في المئة من إجمالي صادرات دول الخليج، بينما كانت واردات آسيا تشكل 15 في المئة فقط». وقال: «خلال 23 عاماً فقط، تغيرت هذه النسب في شكل محوري لتصبح دول مجموعة الثلاث تستورد 23 في المئة فقط من إجمالي الصادرات الخليجية، بينما ارتفعت واردات دول آسيا إلى 43 في المئة من الإجمالي». وعزا ذلك إلى عوامل أبرزها تغير هيكل الاقتصاد العالمي إذ انتقلت اقتصادات الولاياتالمتحدة وأوروبا واليابان تدريجاً إلى اقتصادات خدماتية أقل حساسية تجاه الطاقة، بينما أصبحت آسيا موطن القطاع الصناعي، إضافة إلى زيادة اعتماد الولاياتالمتحدة على مصادر الطاقة المحلية، عبر تطوير طرق جديدة لاستخراج الغاز الطبيعي، كما أن إنشاء البنية التحتية في آسيا يتطلب استخدام طاقة كبيرة، إلى جانب النقلة الديموغرافية التي شهدتها آسيا بانتقال مئات الملايين من المستهلكين إلى الطبقة الوسطى، ما زاد الطلب على السيارات وخدمات النقل الجوي والتكييف والإضاءة وغيرها. وشدّد عقاد على أن «هذا التحول ليس موقتاً، إذ ستستمر الصادرات الخليجية بالتوجه إلى الشرق، فحتى إذا تباطأ النمو الصيني سيبقى الطلب عالياً من دول آسيان التي ستنشط على مستوى الصناعات المتوسطة التي تنفذها الصين، كما سيتعزز الطلب من الدول التي تمر بمراحل التقدم الأولى مثل فيتنام وكمبوديا ولاوس التي تنشط فيها الصناعات الأساسية مثل صناعة النسيج». وأضاف: «الطلب المحلي في آسيا سيكون المحرك للطلب على الطاقة من الخليج لسنوات عدة، فآسيا تحتاج طاقة لبنيتها التحتية التي ستنمو الاستثمارات فيها خلال العقد المقبل، كما ستنطلق مشاريع عدة في آسيان، فالفيليبين تطرح مجموعة من الشراكات بين القطاعين العام والخاص لبناء الطرق السريعة والسكك الحديد والسدود، في حين تعمل تايلند على تطوير ممرات النقل على شكل خطوط سريعة وسكك حديد». ولفت إلى «نمو القطاع الاستهلاكي في شكل كبير، وتزايد الطلب على الطاقة في ظل نمو الطبقة المتوسطة، إلى جانب ارتفاع معدل استهلاك الطاقة للفرد مع التوقعات بزيادة نمو عدد سكان المدن وارتفاع الرواتب، حيث سترفع ماليزيا وتايلند والفيليبين وإندونيسيا الحد الأدنى للأجور هذه السنة». وسيستفيد مجلس التعاون الخليجي من هذا الطلب المتنامي، خصوصاً عند تباطؤ الاقتصادات الأغنى، كما أن العقد المقبل سيشهد تعزيز العلاقات بين المنطقتين، إذ إن هذه العلاقة ليست باتجاه واحد فقط، فالواردات الآسيوية أصبحت تشكل جزءاً أكبر من إجمالي واردات الدول الخليجية بما نسبته 37.4 في المئة مقارنة بالواردات من دول مجموعة الثلاث التي تشكل 21.5 في المئة من الإجمالي. وأكد عقاد أن العلاقة بين آسيا الناشئة ومجلس التعاون الخليجي تخلق تكاملاً وفرصاً تجارية جديدة في المستقبل ضمن «طريق الحرير» الجديد.