أمامنا عمل في مقاس 90×40 سنتيمتراً، استخدمت فيه وسائط متعدّدة، طباعة بالشاشة الحريرية و بالستانسل، كولاج مع قطع من الصحف، أوراق ذهبية وألوان أكرليك. يتضمن كعناصر تشكيلية استعارة من الجيوكاندا لليوناردو دافنشي، بالأسود الحيادي الأنيق، خلفية بالزخارف الشرقية يسودها الأزرق البارد المتناقض مع الرملي أو الذهبي الدّافئ، المنسجم مع تدرجات من الرمادي الحار إلى الرمادي المزرق البارد. انعدام المنظور، ربما المتعمد أو لضروريات التقنية، يجعلنا نرى العمل برمته كأنه جدار أو أرضية أو أي شيء آخر، مطعّم بالرقوش الشرقية وضعت فوقه الجيوكاندا. بالتدقيق نرى أن عروق النباتات (الرمي) كموتيف سائد في الرقوش العربية الإسلامية كأنها ذات الزخارف التي استعارها «ماتيس» من الشرقيات لأعماله، ما يشعرنا بالتوازن مع استعارة الفنانة للموناليزا، فرغم أنها رمز من خارج الخصوصية الثقافية إلا أنها دُجّنت ثقافياً بين الزخارف، وهذا برأيي النجاح الأهم الذي حققته الفنانة، بفرض انتمائها الثقافي على العمل، فعلى رغم حداثة سنها إلا أنها صاغت عناصرها بأصالة من دون انسلاخ أو تغريب، فظهرت الموناليزا «الشرقية» هنا، وكأن شعرها أصبح أسوداً. امتد الأسود لمقدم الصدر والرقبة وكأنه شال تنقّبت به، ولولا ملامح الموناليزا المعروفة جداً، لقلنا أنها امرأة شرقية منقبة أمام رقوش عربية. أما النجاح المبهر الآخر للفنانة فكان أن استطاعت إقحام الزمن وتوظيفه في العمل، لو دققنا بعروق النباتات، لرأينا الأزرق يختفي عن بعض الأجزاء ليكشف تحته اللون الذهبي أو الرملي، ما يوحي للجداريات التي نقشت عليها الزخارف ثم لونت بالأزرق، وبعد حين تساقط اللون عن بعض الأجزاء ليكشف حقيقة أخرى. وهنا نفهم التنافر الحاد بين الأزرق البارد و الذهبي الحار، بأنه متعمد ليحدِث فجوة من خلالها لتمكّن الفنانةُ الزمنَ من التجلي. وهذه حبكة جميلة وناجحة. لا يتوقف الأمر هنا إذ يمتد اللون الذهبي إلى وجه الموناليزا ذاتها، لنرى بوضوح الكتلة الذهبية عند وجه الموناليزا كيف يشكّل وجهاً آخر إذا ما استطعنا فصله عن الأسود، وهو جلي وجه رجل عميق النظرة. وهنا نصل ربما للفكرة الأساسية من العمل، التناقض والتنافر الجميل بين المتضادات، اللون البارد في مقابل الحار، عندما ينحصر أحدهما يتجلى الثاني ويمكنهما الاجتماع بوحدة جمالية واحدة شرقاً وغرباً، حديثاً وقديماً رجلاً وامرأة ..إلخ. هذه الثنائية الكونية الجميلة التي استطاعت الفنانة تجسيدها في جدارة وعفوية، ليس بالضرورة بعمل واع مبرمج ومخطط له، وإنما بإحساس فني مرهف وبمعرفة حدسية فنية.