أعلن رئيس الوزراء الأردني عبدالله النسور أمس تشكيلة حكومته الجديدة، هي الأصغر منذ نحو 5 عقود، وقال إن مهمتها ستكون مواجهة التحديات الاقتصادية الصعبة، وتنفيذ مزيد من الإصلاحات. وأدى الطاقم الوزاري اليمين القانونية أمام العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، حسب ما نص عليه الدستور عام 1952. وظهرت سيطرة «التكنوقراط» على 18 وزارة، هي مجموع حقائب الحكومة الجديدة، فيما ألمح النسور إلى إمكان توزير النواب وضمهم الى الحكومة لاحقاً. وقال إنه عيّن الجنرال حسين هزاع المجالي وزيراً للداخلية، بينما حافظ الديبلوماسي ناصر جودة (عابر الحكومات) على منصبه وزيراً للخارجية، في خطوة انتقدتها المعارضة، خصوصاً «الإسلامية». والمجالي هو قائد أمني مخضرم، وكان شغل حتى مساء أمس جهاز الأمن الأردني، وعُرف بانتمائه التاريخي إلى التيار الرسمي الأكثر تشدداً (المحافظ). ويؤكد اختياره وزيراً للداخلية توجه العاهل الأردني لإجراء سلسلة تغييرات على مستوى المناصب العليا، خصوصاً داخل المؤسسة الأمنية. وشهد تولي المجالي منصب مدير الأمن أواخر العام الماضي، اضطرابات عنيفة استمرت أياماً، ورافقها مقتل مواطن ورجلي شرطة عقب قرار حكومة النسور الأولى رفع أسعار المحروقات لضمان الحصول على قروض مالية مشروطة. وقال النسور «تم تعيين أمية طوقان وزيراً للمال... وإبراهيم سيف وزيراً للتخطيط». ويُعد الوزير سيف أحد أهم معدي دراسات قياس الرأي العام على مستوى الشرق الأوسط، وسبق أن شغل منصب مدير مركز «الدراسات الاستراتيجية» في الجامعة الأردنية، وهو باحث اقتصادي متفرغ في مركز «كارنيغي» للشرق الأوسط. وكشف رئيس الحكومة تعيين محمد المومني وزيراً لشؤون الاتصال والإعلام ووزيراً للتنمية السياسية، وأحمد نوري زيادات وزيراً للعدل. كما بقي في موقعهما وزير تطوير القطاع العام خليف الخوالدة، ووزير الصناعة والتجارة حاتم الحلواني الذي ألحقت بوزارته وزارتا الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ووزارة التموين. ودعا النسور الأردنيين إلى الثقة بالطاقم الحكومي الجديد، وقال إن بلاده «تجاوزت الربيع العربي بفضل قيادتها»، مضيفاً أن الأردن «يحتاج تكاتف جميع أبنائه، وأن المساعدات الخارجية لا تكفي سد عجر الموازنة»، في إشارة الى قرب اتخاذ قرارات وشيكة برفع وجبة جديدة من الأسعار. وفي شأن الملف السوري، قال النسور إن الاقتصاد الأردني «لا يحتمل مزيداً من اللاجئين»، مشدداً على أن بلاده «لن تدخل في أتون حرب إقليمية». ويقول الأردن إن عدد السوريين المقيمين على أراضيه قارب المليون نسمة، منهم 460 ألفاً دخلوا البلاد خلال عامي الربيع العربي. وجاء إعلان الحكومة بعد مشاورات طويلة مع أعضاء البرلمان المنتخب حديثاً استمرت نحو 4 أسابيع، لكنها لم تسفر عن أي توافقات. وبدا أن المؤسسة البرلمانية كانت خارج اللعبة بتغييبها عن مشهد التشكيل، إذ أن غالبية أعضائها لم تكن على علم بأسماء الطاقم الوزاري الذي ضم أمرأة واحدة هي السيدة ريم ابو حسان وزيرة للتنمية الاجتماعية. وستكون هذه المؤسسة أمام اختبار شعبي عسير يتمثل في مدى منحها الثقة للحكومة، وقدرتها على مواجهة نفوذ حلقات القرار المعنية بتقديم الإسناد الخلفي للحكومات، عبر حض النواب على التصويت لصالحها. وكان لافتاً أن تشكيلة الحكومة الحديثة لم تأت بجديد، إذ أن غالبية أعضائها اختيرت من داخل الصندوق الرسمي (التقليدي)، واقتصر الاختلاف بينها وبين الحكومات الأخرى على تقليص الحقائب فقط. وبينما احتفظ 5 وزراء في الحكومة السابقة بحقائبهم، ضمت الحكومة الجديدة غالبية وزارية سبق أن عملت في حكومات تمت إقالتها خلال العامين الماضيين. وقال زكي بني ارشيد، أحد زعماء المعارضة الإسلامية: «لقد خلت التشكيلة من أي نكهة حزبية أو برلمانية، كما أنها جاءت بالمقاسات الخاصة بحكومات ما قبل الثورات العربية». وأضاف: «صيغة الحكومة الحالية تؤكد صحة القراءة التي ذهبت إليها المعارضة بأن ما قدم من إصلاحات شكلية لم يقوى على تشكيل حكومة الغالبية». وقال المحلل السياسي، أحد أبرز القريبين من صنع القرار فهد الخيطان: «الحكومة الجديدة تكرس حال الفشل في مسارات الإصلاح كافة. لقد أخفقت في محاكاة الحكومات البرلمانية». وسيواجه النسور تحديات شائكة، من بينها ملفات الفساد المتراكمة، والوضع الاقتصادي المتردي، وتيار نيابي معارض داخل البرلمان، إلى جانب شارع سياسي ملتهب، ونزوح لا ينقطع من الجارة الشمالية سورية. وكانت الانتخابات النيابية الأردنية الأخيرة أفضت إلى فوز شخصيات موالية للنظام، غالبيتها عشائرية ورجال أعمال مستقلين بمعظم مقاعد البرلمان ال 150. وقدم النسور الذي تلقى تعليمه في الولاياتالمتحدة وفرنسا، استقالته في الشهر ذاته، لكن العاهل الأردني كلّفه الاستمرار لحين تشكيل حكومة يخلف فيها نفسه.