بعد دخول الثورة السورية عامها الثالث، لا تزال المحاولات جارية بكل الوسائل والامكانات لتحقيق النصر وإسقاط النظام. على رغم كل شيء يبقى هذا النظام في الترتيب الأول عالمياً كجلاد تجرّد من كل شيء إلا من عنفه المبتكر لضحايا الثورة ضده، وعلى مقدار ما يقوم به الثوار من عمليات نوعية وضربات موجعة لميليشيات النظام، إلا ان هذا الأخير يكيل الكيل بعدة مكاييل، مخلفاً خراباً اقتصادياً ستدفع سورية ثمنه لسنوات مقبلة. فبعد أن أعلن كثير من الدول الغربية حصاراً اقتصادياً على النظام السوري وبات النظام شبه عاجز وفاشل أمام هذه المحنة الكبيرة، بدأت ايران وروسيا بضخ المال والعتاد العسكري وحتى البشري الهائلين، لتعويض هذا النظام عما فقده بسبب ذلك الحصار، وهذا ما جعله يحافظ على موقعه القوي أمام الثورة السورية. لكن وعلى رغم كل هذا الدعم الايراني-الروسي، إلا ان الليرة السورية فقدت قيمتها وبدأت بالانهيار، ما يؤدي الى ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية للمواطن السوري، وبالتالي يزيد من توتر الشارع السوري ويفقد النظام عدداً من مواليه المتحيرين برأيهم، ناهيك عن الحاجة الماسة الى المواد النفطية التي لا يستغني عنها النظام ولا المواطن كوقود للآليات أو وسائل للتدفئة، حيث إنها فقدت من الاسواق أو تتوافر بأسعار مضاعفة، مما اضطر النظام أن يتعامل مع وزارة النفط اللبنانية التي يرأسها الوزير جبران باسيل صهر الجنرال ميشال عون، لترسل شاحنات معبّأة الى النظام السوري ضاربة عرض الحائط بكل القرارات الدولية الالتزام بتلك العقوبات. والآن، بعد ان سيطرت جبهة النصرة على آبار النفط في الشمال والشرق السوريين بعد معارك طاحنة مع النظام، تواترت أنباء شبه مؤكدة أن جبهة النصرة تبيع هذا النفط للنظام السوري بأسعار مرتفعة جداً بحجة حاجتها الى المال لشراء السلاح والمواد الاستهلاكية لمقاتليها. كما وقع النظام بضائقة اخرى وهي تسديد أجور الشبّيحة الشهرية الذين وظّفهم لدعم جهازه المافيوي وقمع الثورة السورية بكل الوسائل، مما اضطره الى اعطائهم الصلاحيات التامة بالنهب والسلب والسرقة وبيع ما يغنمونه في السوق السوداء، ذلك أنك تستطيع ان تشتري أثاث منزل كاملاً بنصف ثمنه الحقيقي، وتستطيع أن تقود أفخم سيارة بثلث ثمنها الاصلي. وبعد تدمير ما يقارب 70 في المئة من البنى التحتية في سورية، وقتل ما يزيد عن 100 الف مواطن، واعتقال أكثر من 300 ألف، ونزوح أكثر من 4 ملايين سوري خارج البلاد، ومعاناة أكثر من 5 ملايين سوري في الداخل من الفقر والجوع وانتشار الامراض والأوبئة، يبقى المجتمع الدولي صامتاً تجاه معاناة الشعب السوري الوجودية قبل تلك الاقتصادية، مقدماً مسكنات الألم للهروب من تأدية واجبه الانساني امام ما يجري في سورية. هذا الشعب أُنهك اقتصادياً، وهو قادر على إعمار بلده بمساعدات داخلية وخارجية، لكن الخارجية تلك تغفل حقيقة بسيطة جداً تقول إن الانسانية المجردة هي التي تستطيع أن تنقذ الضحية السورية من الجلاد الممانع والمقاوم. * كاتب سوري