قال الشيخ مصطفى بلمهدي، مؤسس حزب «حركة البناء الوطني» (الإخواني) إن المرحلة التي يظهر فيها هذا الحزب الإسلامي الجديد تحتاج إلى «إدراك عملية انتقال المشروع الإسلامي من الشكوك والاتهامات إلى مرحلة الثقة والتجربة». ولمح بلمهدي إلى عدم رفض الحركة التواصل مع السلطة، لكنه توقع «إكراهات»، قائلاً إن «المرحلة الجديدة لمشروع الحركة في ظل الدخول في إكراهات الدولة ومتطلباتها وتوازناتها تحتاج علماً وفقهاً». وعقدت «حركة البناء الوطني» ذات التوجه الإسلامي، أمس، مؤتمرها التأسيسي في ضاحية بغرب العاصمة، بعد شهور من التحضيرات «السرية» استدعت التنسيق مع قياديين في التيار الإخواني بينهم قادة حزب «جبهة التغيير» الذي حلّ نفسه ولحق معظم مؤسسيه بمشروع «البناء الوطني» بقيادة مصطفى بلمهدي أحد أبرز رفاق الراحل محفوظ نحناح مؤسس «حركة مجتمع السلم». وخطب بلمهدي أمام المئات من أنصار «البناء الوطني» قائلاً عن حركته: «هي حركة أصيلة وطنية وشعبية اجتماعية توّاقة إلى النهوض بالتنمية الديموقراطية في البلاد وبناء منظومة إصلاحية». وأعطى انطباعاً أن «البناء الوطني» يتخندق في المعارضة من البداية. ووصف بلمهدي حال الجزائر قائلاً: «هزال هوية الأمة وغياب مشروع المجتمع والتشكيك في شرعية السلطة والمؤسسات، وتراجع أدوار الجزائر الإقليمية ومكانتها الدولية التي وضعتها فيها الثورة المباركة». وتابع بلمهدي: «إننا نقف بأسف أمام حال القلق الذي تعيشه البلاد وأمام الترهل الذي أصاب الساحة السياسية وساهمت فيه الرغبات الفئوية والشخصية الجامحة في الوصول إلى السلطة أو البقاء فيها على حساب الديموقراطية والتنمية والاختيار الحر والسيد للشعب». ولاحظ «تراجع القيم والمبادئ ما أنتج الركود والانقسام والعجز عن تحقيق الطموح المنشود، فشوّه الفعل السياسي وطعن في شرعيته ورهن مختلف المنظومات وانتهى إلى عزوف الشعب عنها جراء انهيار ثقته في الوعود والبرامج وأصبح يطالب بالملموس ولا يؤمن إلا بما تقبضه يده لا بما يسمعه». وقدم الرئيس المفترض ل «البناء الوطني» مشروع حزبه الإسلامي على أساس رهان «الإصلاح الشامل والعميق والعاجل» و «إحياء الضمير الفردي وإعادة الوعي بالذات وبعث الأمل في النفوس» وصولاً إلى «أخلقة الفعل السياسي وصبغ الساحة بقيم الأمة المتجذرة في الإسلام الذي ظل روحاً للأمة وظلت الجزائر أرضه وحماه». وفي حين تبنى مصطفى بلمهدي صراحة نهج محفوظ نحناح، يتجادل الفرقاء في «حركة مجتمع السلم» التي كان يقودها الراحل، في شأن انتمائهم إلى مدرسته أم لا. لكن بلمهدي رفع ورقة إرث نحناح وقال في أول خطاب له على رأس الحزب الجديد: «نظل حريصين على إرثه (نحناح) وتجربته الرائدة في بناء الدولة الحديثة والتعاون مع القوى الوطنية المخلصة الثابتة على المشروع الوطني الأصيل التي ضيّعته الأهواء والأمزجة والرؤى المحدودة». وظهر أن الحزب الجديد يبدي تحفظاً عن إبداء وصف مطلق لنتائج ثورات الربيع العربي، إذ قال مؤسسه: «إننا وسط تحولات تشهدها الأمة العربية ومحيطها الإقليمي وحراك مكّن بعض الشعوب من حقوقها وأعاد إليها إرادتها المسلوبة عقوداً من الزمن، ولكنه أدخل أقطاراً أخرى في انزلاقات تهدد السيادة الوطنية وتشتت الوحدة وتمزقها». وستكون حركة «البناء الوطني» الجسم الثالث الذي ينشطر عن الحركة التي أسسها الراحل محفوظ نحناح. وقال قياديون قريبون من مصطفى بلمهدي الذي يُنظر إليه كمرجع ل «الإخوان» في الجزائر، إن الفريق المحيط بعبدالمجيد مناصرة مؤسس «جبهة التغيير» قد لحق بأكمله بالحزب الجديد، وبينهم عبدالقادر بن قرينة وأحمد الدان وسليمان شنين وسالم شريف. ولم يكن مصطفى بلمهدي في دائرة الأضواء منذ وفاة الراحل محفوظ نحناح. وفي أول أزمة انشقاق عصفت ب «حركة مجتمع السلم»، التزم بلمهدي بالحياد في الصراع الذي دار بين الشيخ أبو جرة سلطاني والدكتور عبدالمجيد مناصرة الذي أسس لاحقاً «جبهة التغيير» كأول فصيل سياسي ينشق عن الحركة التي تُعرف ب «حمس». إلا أن قرار خروج عمر غول من حركة مجتمع السلم قبل شهور وتأسيسه «تجمع أمل الجزائر»، حرّك فكرة الخروج المعلن لدى بلمهدي الذي يرتبط بعلاقات وطيدة بقادة «الإخوان المسلمين» في مصر.