اهتمت وسائل الإعلام العربية بتوجيه لطيف من الفقيه السعودي، صاحب الفتاوى الجريئة الشيخ عبدالمحسن العبيكان بدعوته المسلمين إلى الكف عن إطفاء أشواقهم على وجنة الكعبة المشرفة. (الحجر الأسود)، الذي تفيد أحاديث نبوية بأن ما سوّدها إلا كثرة خطايا بني آدم. عبر اتصالهم بها تقبيلاً واحتضاناً. ومع أن الشيخ الذي أوتي بسطة في العلم والجرأة، لم يكن وارداً بالنسبة إليه أن يزهد المعتمرين الذين أضنتهم الأشواق في بث لوعتهم لموضع الكف الوحيد في الدنيا الآتي من «الجنة» الموعودة. إلا أنه من واقع حرصه الشديد على سلامتهم، وخشية أن تنتقل إليهم الأمراض، نبههم إلى الرخصة في ترك القبلة. وهي رخصة في فهم المسلمين الأقل فقهاً والأكثر بعداً عن القبلات المباحة والمحرمة، «معلومة» يقيناً، والدليل على ذلك، أن من يصطفون بحثاً عن لحظة وصال من الحجر الشريف لا نسبة لهم إذا ما قورنوا بالملايين الذين اكتفوا بنظرة ودمعة ساعة اللقيا، داوت شيئاً من لواعج الشوق للبنية التي شغفتهم حباً. فهل أراد فضيلته أن يزيدهم وعياً وفقهاً؟ قد يكون ذلك مفيداً، لكنه طالما شاء أن يسير في مضمار التوعية حرصاً على هذه الشريحة الغالية من صفوة المسلمين، كان الأجدر به أن ينصحهم بالكف عن سائر «القبل»، خصوصاً العرب منهم، الذين تكاد «القبلة» تختصر العلاقات بين طبقاتهم كافة. بل إن منهم من يقبّل ليس الوجنات وحدها، ولكن كل ما وقع تحت «شفتيه» من تضاريس جسد من كان أمامه، بحسب مكانته بطبيعة الحال. وربما أسند بعضهم لثمه وشمه واستنشاقه بفتوى لعالم مشهور. وبما أن قناعة المسلم البسيطة أن المعقمات الإلهية للوجنة المقدسة، التي نصح الشيخ بهجرها ريثما تنقشع غمامة الخنازير، أشد وقعاً وأضمن أثراً، من ألف مرهم أو مضاد، تعقم بها أفواه العذارى و«أخشام» (جمع خشم) الشيوخ، وأقدام السادة، وما بينهما من كل ما يقبّل وما يشم. فإنني باسم بقية القراء نأمل من فضيلته أن يفتينا في بقية القبل. مشكوراً.