طالب اقتصاديون بدعم قطاع الصناعات التحويلية في المملكة، عبر إنشاء هيئة للصناعات البتروكيماوية والتحويلية، وضرورة فصل وزارة الصناعة عن التجارة، لتعزيز نمو القطاع الصناعي الذي نشطت به الصناعة السعودية خلال العقدين الأخيرين، وقطعت شوطاً كبيراً من النجاح في هذه الصناعات. وأكد الاقتصاديون على تعزيز سبل التعامل مع المستثمرين ورؤوس الأموال، كونها بحاجة إلى مزيد من التنظيمات والتسهيلات، لتذليل بعض العراقيل، خصوصاً في تشتت قرار الفسوحات الصناعية بين وزارات وجهات حكومية عدة، مما يضاعف من رغبة المستثمرين بالإحجام عن الدخول في المجال الصناعي. وقال الاقتصادي والخبير في المجال الصناعي فضل البوعينين إن أفضل المجالات الصناعية التي قد تشكل لها السعودية أرضية خصبة هي الصناعات التحويلية والبتروكيماوية، مؤكداً أن المملكة بحاجة إلى رؤية واضحة وشاملة تحدد مسارات العمل الصناعي، مضيفاً: «الحكومة السعودية لديها رغبة جادة بدعم الصناعة، ولكن يجب في البداية أن نحدد ما هي الأهداف وعلى أي الصناعات التحويلية يجب أن نركز، وفي أية منطقة يجب أن نبدأ لتحويلها إلى منطقة صناعية بالكامل». واستشهد بالصناعات البتروكيماوية، إذ توافقت الإرادة السياسية مع سياسة اقتصادية واضحة حددت الأهداف، وعلى ضوئها تم إنشاء الهيئة الملكية للجبيل وينبع، ومع توافر المواد اللقيمية وتشكيل فريق عمل وتحكم جيد، نتج نجاح كبير للمملكة في قطاع البتروكيماويات، ولا زال القطاع ينمو بسرعة كبيرة. وأكد البوعينين أن تأسيس هيئة للصناعات التحويلية والبتروكيماوية بات ضرورة ملحة، إذ يجب أن تدرس العقبات التي تواجه القطاع الصناعي بالمملكة كافة، وتقدم لها الدعم، خصوصاً مع هرب رؤوس الأموال من التصنيع في بعض الصناعات التحويلية لعلو درجة المخاطرة، مضيفاً: «يجب أن تتدخل الدولة لإنقاذ السوق من الإغراق ببعض المنتجات المستوردة السيئة، والتي لا تستطيع الصناعات المحلية منافستها، فعلى سبيل المثال نجحت شركة معادن في صناعة الألومنيوم، إلا أنها تعاني من السوق ومن عمليات إغراق منظمة، وليس هناك سبيلاً من إنقاذ لصناعات في هذا القطاع إلا بتدخل الجهات المعنية». واقترح دعم الصناعات المنزلية البسيطة في مجال الصناعات التحويلية لثبات جدواها في عديد من مناطق العالم. وأوضح فكرته بقوله: «الدولة تدعم الصناعات المنزلية والأسر المنتجة، إلا أنها تحصرهم في مجال بعض الصناعات الحرفية البسيطة والمواد الغذائية، بينما بمقدورهم أن يتحصلوا على مكائن صناعية صغيرة، ومواد لقيمية من شركة سابك وغيرها، وتقديم منتجات ممتازة تعزز الثقافة الصناعية، وهذا معمول به في أوروبا، إذ تجد كثيراً من المنازل تحوي مكائن صناعية لبعض المنتجات المستهلكة، وبهذا تشيع ثقافة التصنيع التي تغيب عن المجتمع السعودي بنسبة 99 في المئة». ولفت إلى أن المملكة تعاني من خلل ثقافي واضح صوب الصناعة، إذ تعاني من قصور في التعليم الأولي الذي تحتاج معه إلى إعادة هيكلة ثقافة التصنيع، وبالتالي يقدم المجتمع أفكاراً خلاقة تدعم حاجاته وتحوله لمنتج، وتشجع رؤوس الأموال على الدخول في القطاع الصناعي المحلي. وقال البوعينين إن المستثمرين الصناعيين يرغبون بفرص استثمارات حقيقية، ويسعون لاقتناصها متى ما توافرت، ولكن إحجامهم يجعلنا نعيد النظر في المعوقات والنظم ومدى توافر مناطق صناعية حقيقية، مضيفاً: «هناك معوقات تجعل الصناعيين ينفرون من التصنيع المحلي، فمثلاً بعض الصناعات تحتاج إلى تصاريح وموافقات من وزارات وجهات حكومية عدة، هذا الأمر معقد، ويجب أن يكون هناك مرجعية واحدة للصناعة تمنح الموافقات، وعلى سبيل المثال هناك أزمات دائمة في الأسمنت، ومع ذلك من الصعب استخراج تصاريح لمحاجر، كما أن بعض المصانع تفتقد للدعم اللوجستي في ما يتعلق بتزويدها بالنفط والمواد الخام». وطالب بالعودة لسابق عهد، مع فصل وزارة التجارة عن الصناعة، إذ نتج من وزارة الصناعة آنذاك تجارب رائدة وناجحة، وعودتها أصبحت مطلباً، كون دمج قطاعي التجارة والصناعة في بلد يبحث عن تدعيم الصناعة لتنويع مصادر الدخل وغياب الثقافة الإنتاجية أمر ضروري وملح. من جهته، قال الاقتصادي محمد العمران، إن فهم عقلية المستثمرين في بلد مستهلك تغيب عنه ثقافة التصنيع هو المدخل الأول لتذليل العقبات كافة، كون المستثمر يبحث في المقام الأول عن الربح المادي، ومطالبته بالتفكير بخدمة مجتمعه وقطاع أكمله قبل خوضه تجربة سابقة أمر صعب، إذ يهتم بالربح المادي في المقام الأول. وأكد العمران، المملكة تتأخر في القطاع الصناعي عن نظيراتها من الدول الناشئة، وهناك بعض الصناعات غير المغرية استثمارياً لعدم توافر المواد الخام في المملكة، مشيراً إلى أن المملكة تاريخياً تمتلك إرثاً صناعياً كبيراً، ولكن غابت هذه الثقافة مع الطفرات الصناعية، ويندر معها وجود صناعي سعودي يعمل بيده أو حرفي مدرب. وعن غياب المصارف عن دعم القطاع الصناعي، أكد العمران أن المستثمرين الصناعيين اتجهوا إلى إنشاء مصانع خارج المملكة لتفادي العقبات والمصارف، بدورها توسعت خارجياً بحثاً عن استثمارات جادة سواء في القطاعين الصناعي أم التجاري، ولكن متى ما وجدت فرصاً حقيقية لاستثمارها داخلياً وكثرت الفرص الصناعية لن تتردد المصارف في الاستثمار بها. واعتبر أن القطاع الصناعي السعودي لا زال دون المأمول، وإن كان يشكل إطاراً خارجياً للتصنيع إلا أنه يفتقد للأساسيات، مضيفاً: «نستقدم العمالة الحرفية المدربة، وتدير الصناعات المحلية، هذا لا يمكن تسميته صناعة محلية، بل فرص على أرض المملكة يستفيد منها رجال أعمال محددين، لن تعود بالنفع على الاقتصاد المحلي ولا الشباب بأية فائدة تذكر». نمو استثمارات قطاع الصناعات التحويلية إلى 124 بليون ريال شهدت القاعدة الصناعية في المملكة توسعاً كبيراً خلال العقود الأربعة الماضية، إذ قفز عدد المصانع العاملة من 198 مصنعاً في عام 1974 إلى 5,043 مصنعاً في 2011. وبصورة موازية ارتفع رأس المال المستثمر من حوالى 12 بليون ريال في عام 1974 إلى نحو 507 بلايين ريال في 2011. كما ارتفع عدد العمالة من حوالى 34,000 ألف عامل في عام 1974 إلى حوالى 638,000 ألف عامل. وبالنظر إلى هيكل التركيبة القطاعية للمصانع العاملة بالمملكة بنهاية عام 2011، فإن قطاع صناعة منتجات المعادن اللافلزية الأخرى يتصدر بقية القطاعات من حيث عدد المصانع ب815 مصنعاً، تمثل 16 في المئة من إجمالي عدد المصانع العاملة، كما يتصدر قطاع صناعة المنتجات النفطية المكررة بقية القطاعات من حيث حجم الاستثمارات 201 بليون ريال – تقريباً - تمثل ما نسبته 40 في المئة من إجمالي استثمارات المصانع المنتجة. ويليه قطاع صناعة المواد والمنتجات الكيماوية بحجم استثمارات 82 بليون ريال – تقريباً - تمثل ما نسبته 16 في المئة، ويتصدر قطاع صناعة المنتجات الغذائية والمشروبات القطاعات كافة من حيث عدد العمالة 122,589 عاملاً، تمثل ما نسبته 19 في المئة من إجمالي عمالة المصانع المنتجة. فيما شهد قطاع الصناعات التحويلية في المملكة نمواً كبيراً خلال الفترة الماضية، إذ ارتفع إجمالي الناتج المحلي بالأسعار الثابتة للصناعات التحويلية من مستوى 15 بليون ريال في عام 1975 إلى أكثر من 124 بليون ريال بنهاية 2011. كما أن معدلات نمو قطاع الصناعات التحويلية ظلت في اتجاه تصاعدي طوال هذه الفترة، إذ بلغ معدل النمو السنوي للقطاع خلال هذه الفترة نحو 6 في المئة، وهو من أعلى المعدلات بين القطاعات الاقتصادية. ونتيجة للتطور الكبير الذي شهده الإنتاج في الصناعات التحويلية خلال الفترة ذاتها، فقد ارتفعت نسبة مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة من 4.1 في المئة في عام 1975 إلى 13.3 في اامئة بنهاية 2011. وبصورة موازية ارتفعت نسبة مساهمة قطاع الصناعات التحويلية في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي من 7.8 في المئة في عام 1975 إلى 18.3 في المئة في 2011.