يُعتبَر التصنيع حديث العهد نسبياً في السعودية بسبب هيمنة إنتاج النفط الخام وتصديره، لكنه ينمو في شكل متواصل وحثيث. وتحققت إنجازات بارزة نتيجة للجهود التي تبذلها الدولة لدعم التطوير الصناعي، مثل تأمين البنية التحتية الملائمة وبناء المدن الصناعية في مناطق مختلفة من المملكة لتحقيق الإنماء المتوازن. وتعطي الدولة أهمية كبيرة لاستجابة القطاع الخاص وتعاونه مع جهود الحكومة وخططها في هذا المجال. ومع بداية سبعينات القرن العشرين، بدأت المملكة بتطبيق خطة لتطوير المدن الصناعية بعدما اعتبر المعنيون أن الصناعة التحويلية يجب أن تكون المكون الأساس لإجمالي الناتج المحلي. ولأجل تحقيق هذا الهدف وُضِعت خطة تهدف إلى إعادة توطين المصانع القائمة وإنشاء مصانع جديدة في المدن التي تتوافر فيها كل العناصر التي تحتاجها الصناعة التحويلية كالخدمات الأساسية والمعدات وما يحتاجه الحفاظ على البيئة ومتطلبات السلامة كما تُؤمَّن فيها فرص عمل للمواطنين وتُوزَّع الموارد بطريقة تحقق المساواة بين أنحاء المملكة لها. وأُسِّست أول ثلاث مدن في 1973 في الرياضوجدةوالدمام. وأدى نجاح تلك المشاريع إلى توسيع الفكرة ونقلها إلى الخطة الخمسية الثالثة (1975 - 1980). وفي نهاية الخطة الخمسية السابعة بلغ عدد المدن الصناعية في المملكة 14 مدينة هي الرياض 1، الرياض 2، جدة 1، الدمام 1، الدمام 2، مكة، القصيم، الأحساء، المدينة، عسير، الجوف، تبوك، حائل ونجران. ولأجل رفع مستوى الخدمات التي تُقدَّم إلى المدن الصناعية، أسست الحكومة «سلطة الملكية الصناعية السعودية» (مدن) في 2001 كوكالة عامة مستقلة للإشراف على المدن الصناعية والمناطق التكنولوجية وإدارتها، إضافة إلى تشغيل هذه المدن وإدامتها وتطويرها بالتعاون مع القطاع الخاص. وتقوم الهيئة حالياً بإدارة وتطوير 93 كيلومتراً مربعاً من الأراضي في 24 مدينة صناعية، ويعمل أكثر من 300 ألف شخص في محال مملوكة أو مؤجرة تديرها «مدن». ولا يشمل ذلك المدينتين الصناعيتين في جبيل وينبع، إضافة إلى المدن الصناعية التي تحتوى على مصافي النفط والعائدة ل «أرامكو السعودية». وتُعتبَر مدينتا جبيل وينبع من المواقع الاستراتيجية للصناعات الهيدروكربونية والصناعات المعتمدة بكثافة على الطاقة. وتبلغ مساحة هاتين المدينتين ألف و20 و185 كيلومتراً مربعاً على التوالي، وتحتويان على عدد من مشاريع الصناعات الأساسية والصناعات الثانوية والصناعات الداعمة، إضافة إلى مجمعات سكنية كاملة الخدمات. ونتيجة لهذه الجهود المبذولة من الدولة وتشجيعها القطاع الخاص بتأسيس شركات في المدن الصناعية، تطور المملكة حالياً 22 قطاعاً مهماً من قطاعات الصناعة التحويلية تشمل صناعات المعادن الأساسية والصناعات البتروكيماوية ومصافي النفط والأنسجة والأغذية والورق والكرتون والآلات والسيارات ومعدات النقل والأثاث وإعادة تصنيع النفايات. وبين 1974 و2010 ازداد عدد المعامل والمصانع في المملكة من 189 إلى أربعة آلاف و645 وزاد حجم الاستثمارات من 12 بليون ريال (الدولار يساوي 3.75 ريال) إلى 404 بلايين، وعدد العاملين من 34 ألف شخص إلى 530 ألفاً. وتشير هذه الأرقام إلى تطور كثيف في المعايير كلها، خصوصاً إذا أُخذت في الاعتبار الجودة التي تتميز بها الصناعات السعودية والشهرة العالمية التي تتمتع بها شركات مثل «سابك» التي تحتل المرتبة الأولى عالمياً في بعض أنواع الصناعات البتروكيماوية. ونتيجة للجهود المشار إليها أعلاه نمت مساهمة الصناعات التحويلية في إجمالي الناتج المحلي بالأسعار الثابتة من 15 بليون ريال في 1975 إلى أكثر من 109 بلايين نهاية 2010 أي بمعدل سنوي مقداره حوالى ستة في المئة، وهو أعلى معدل نمو مقارنة ببقية القطاعات الاقتصادية. وخلال الفترة ذاتها ارتفعت القيمة المضافة لصناعة تصفية النفط من 6.5 بليون ريال إلى 22 بليون ريال أي ب300 في المئة. أما الصناعات التحويلية الأخرى فارتفعت قيمتها من 8.7 بليون إلى 88 بليوناً أي بحوالى 900 في المئة. وتعزى هذه الزيادة الكبيرة إلى التطور الذي شهدته صناعة البتروكيماويات في العقدين الماضيين تحت إشراف «سابك». أما القطاعات الرائدة الأخرى للتطور الصناعي في المملكة فهي صناعة الآلات والمعدات وصناعة مواد البناء وصناعة المواد الغذائية. وانعكس التطور الصناعي في المملكة إيجاباً على صادراتها من السلع المصنعة التي نمت بمعدل سنوي مقداره 13 في المئة عندما ارتفعت من 12.5 بليون ريال في 1992 إلى 114 بليوناً في 2010، ومثلت السلع البتروكيماوية حوالى ثلثي المبالغ المصدرة. كاتبة مختصة بالشؤون الاقتصادية - بيروت