تقدم مجموعة من البيوت التقليدية المرممة أو المستحدثة في المحرق شمال البحرين، رحلة غنية تحيي تاريخ هذه المملكة الخليجية الصغيرة، من تجارة اللؤلؤ إلى الإشعاع الثقافي عبر الشعر والصحافة والموسيقى. ونفّذ مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة الذي ترأسه وزيرة الثقافة البحرينية الشيخة مي آل خليفة هذا المشروع المستمر الذي يحوّل الأزقة التقليدية والمفعمة بروائح الطهو والحياة الحقيقية للسكان في المحرق، إلى متعة سياحية وثقافية. وعلى عكس كثير من المشاريع المعمارية التي تتقمص التاريخ أو تمعن في محاكاة الحداثة، تبرز بيوت المحرق حقيقية تحكي تاريخ عائلات حية وأشخاص تركوا بصماتهم في التجارة أو الصحافة أو الشعر أو الموسيقى. أما عمليات الترميم والتحديث التي أشرفت على كل تفاصيلها الوزيرة، فتحيي البعد التاريخي للبيوت، وتربط هذه الصروح في ما بينها لتظهير حكاية واحدة للمحرق والبحرين. وقالت مي آل خليفة: «أحاول من خلال مشاريع الثقافة أن أترك للثقافة قلوباً تتكاثر بتعداد الأمكنة والمناطق». وأضافت أنها في الأساس قامت «بتذكار الموقع القديم لبيت جدي الذي تحول إلى مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث»، ثم «امتدت فكرته إلى بيوت تراثية أخرى من حوله كبيت عبدالله الزايد لتراث البحرين الصحافي، وبيت محمد بن فارس لفن الصوت الخليجي، وبيت إبراهيم العريض للشعر، وعمارة بن مطر ومكتبة اقرأ للأطفال». فبيت الشيخ إبراهيم، جد الشيخة مي، هو المنطلق والأساس للمشروع. وخلف واجهته الفخمة المميزة بين البيوت المحيطة به الأكثر بساطة، عالم من الكتب والأروقة الثقافية وصور المفكرين والصحافيين والفنانين الذين قدموا أعمالهم في البيت، من محمود درويش ومارسيل خليفة إلى الشيخ هاني فحص والفنانات جاهدة وهبة وغادة شبير وإيمان حمصي. وخلف هذه الأروقة مسرح تقدم عليه بعض أحداث البرنامج الثقافي الذي تحتضنه مؤسسة الشيخ إبراهيم. وقرب الشارع الرئيس للمحرق، حيث كانت أمواج البحر تلاقي الرمال في ما مضى، تقدم عمارة بن مطر متحفاً مصغراً وغنياً لتجارة اللؤلؤ، فهي بيت تاجر اللؤلؤ الشهير سلمان بن مطر. وعند إقدام هذا المنزل التاريخي، كانت سفن الداو التقليدية ترسو بعد أسابيع من الإبحار والغوص، لبيع غلتها من اللؤلؤ الثمين الذي شكل عماد اقتصاد الخليج قبل ظهور النفط. وبين أروقة المحرق، تتبعثر البيوت المرممة بأناقة، فهنا بيت الفنان محمد بن فارس لفن الصوت، وهو المنزل العائلي للفنان الذي يعد رائداً في تطوير النغم الخليجي، وهناك بيت الشعر المقام في بيت الشاعر والمترجم إبراهيم العريض، وقربهما بيت الصحافي عبدالله الزايد ناشر أول صحيفة في الخليج في الثلاثينات، وقد حول إلى بيت يحتفي بالصحافة في البحرين والعالم. ومن البيوت أيضاً، بيت القهوة الذي يحتفي بأهمية القهوة في التاريخ المحلي تجارياً وثقافياً، ويضم البيت مطعماً يقدم أطباقاً تقليدية تكاد تختفي، وبيت الكورار الذي يحيي حرفة تمارسها النساء وتقوم على تطريز العباءات بخيوط الذهب. ويشمل المشروع مكتبة «اقرأ» المخصصة للأطفال، ونزلاً تقليدياً لضيوف مركز الشيخ إبراهيم، وحديقة مائية. ويشمل المشروع أكثر من 25 منزلاً مرمماً أو مستحدثاً. وقالت الوزيرة إن المشروع يبث الحياة في هذه الصروح المحلية التي تختزن ذاكرة أهل المحرق والبحرين. وأضافت: «المنازل كلها استلهمت تاريخها وملامحها الأصلية، وحاولنا برفقة معماريين اختصاصيين أن نعيد تركيب صورتها كما لو كان كل بيت طفل اليوم لا الأمس، وأعدنا الحياة إليها بتصويرات حياتية موازية».