اعتقلت سلطات الأمن المصرية أمس الثلثاء ثلاثة مسؤولين في نظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، بينهم ابن عمه أحمد قذاف الدم الذي سلّم نفسه إلى الشرطة بعد ساعات من محاصرة منزله في ضاحية الزمالك (جنوبالقاهرة). وتندرج هذه العملية ضمن اتفاق أبرم بين القاهرة وطرابلس في كانون الثاني (يناير) الماضي يقضي بتشكيل لجنة تعمل على إزالة العوائق القانونية لتسليم المطلوبين الليبيين الموجودين على الأراضي المصرية. وأوضحت مصادر قضائية ل «الحياة» أن ثلاثة من كبار رموز النظام الليبي السابق هم أحمد قذاف الدم، ومحمد منصور، وعلي محمود ماريا السفير الليبي السابق لدى مصر، محتجزون الآن لدى السلطات المصرية تمهيداً لتسليمهم «خلال ساعات» إلى السلطات الليبية، مشيرة إلى أن توقيفهم جاء «بناء على طلب من الشرطة الدولية، في ضوء التعليمات الصادرة بهذا الشأن من رئيس مكتب التعاون الدولي بالنيابة العامة المصرية المستشار كامل سمير جرجس، لاتهامهم بارتكاب جرائم إبان نظام حكم العقيد معمر القذافي». وكانت الحكومة الليبية طلبت من مصر تسليم عدد من المتهمين بارتكاب جرائم خلال فترة حكم نظام القذافي، إذ أوضحت الحكومة الليبية أن هؤلاء الأشخاص ارتكبوا جرائم فساد مالي، ومطلوبون أمام ساحات القضاء، وأنهم فروا إلى مصر عقب سقوط النظام، وموجودون حالياً داخل الأراضي المصرية. وعقب تسلم مكتب التعاون الدولي في النيابة العامة طلب السلطات الليبية، وبعد فحص الطلب، أمر المستشار كامل جرجس الأسبوع الماضي بسرعة تحديد أماكن المتهمين في مصر وضبطهم، إيذاناً بالموافقة على تسليمهم إلى ليبيا، حيث قام الانتربول المصري بتحديد أماكن المتهمين الثلاثة وتم إلقاء القبض عليهم. وكانت الروايات تضاربت في شأن عملية اعتقال قذاف الدم، فبعدما تردد أن عصابات مجهولة حاولت اغتياله في ساعة متقدمة من صباح أمس، أكد مصدر أمني أن قذاف الدم سلم نفسه للأمن المصري بعد محاصرة منزله. وأوضح المصدر في تصريحات أبرزتها وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية أن «الأمن المصري قام بمحاصرة منزل قذاف الدم في حي الزمالك لساعات قبل أن يقوم الأخير بتسليم نفسه». وأشار المصدر إلى أنه سيتم تسليم ابن عم العقيد الليبي الراحل إلى السلطات الليبية «التي تريد محاكمته». ونفى حصول اشتباك مسلح بين الشرطة المصرية وحراس قذاف الدم، مؤكداً أنه «سلم نفسه من دون مقاومة بعدما أرسلت الشرطة القنصل الليبي لإقناعه بالأمر». وكان قذاف الدم اتهم قبل ساعات من استسلامه لقوات الأمن، من أسماهم ب «عصابات مسلحة» بمداهمة منزله فجر أمس، رافضاً عملية الدهم ووصفها في تصريحات تلفزيونية ب «العمل غير الأخلاقي والبربري»، لافتاً إلى أنه «سياسي ولا يجب أن يتم التعامل معه بهذه الطريقة»، مشيراً أنه اضطر وحراسته الخاصة إلى «الدفاع عن نفسه وبيته، بعد معارك استمرت نحو 4 ساعات، ما أسفر عن إصابة عدد من حراسه». وأكد أنه لم يأت إلى مصر إلا بدعوة من وزير الخارجية والمجلس العسكري السابق. وقال: «لسنا مجموعة من المجرمين أو الإرهابيين حتى يداهم منزلنا بهذا الشكل، ولا أعرف من المسؤول عن ذلك، وإذا كانت الدولة هي التي تستدعينا كان يجب أن يتم ذلك في وضح النهار». وأشار إلى أنه كان برفقته حراسة من الدولة المصرية، ولكن وقعت الاشتباكات في وجودها. وأوضح رئيس مكتب التعاون الدولي التابع للنائب العام المستشار كامل سمير جرجس أن التهم المطلوب بشأنها أحمد قذاف الدم ومحمد منصور وعلي ماريا «جرائم مالية»، مشيراً إلى أنه «لم توجه لهم اتهامات متعلقة بالقتل». وقال إن مكتب التعاون الدولي في مصر في انتظار أن ترسل السلطات الليبية الاتفاقات المبرمة مع النظام المصري، حتى يصدر قرار في شأن تسليم المتهمين، موضحاً أن المكتب يقوم بفحص القضايا المطلوب فيها قذاف الدم، وإنهاء إجراءات تسليمه إلى الجانب الليبي. غير أن رئيسة اتحاد المحامين الأفروآسيوي الدكتورة عصمت المرغني انتقدت في شدة توقيف قذاف الدم، وقالت في تصريحات إلى «الحياة» إن إجراءات توقيفه تخالف الدستور المصري الذي يلزم السلطات المصرية في المادة 57 بحق اللجوء السياسي للمحرومين من حقهم في بلادهم ويحظر تسليمهم. ولفتت إلى أن أحمد قذاف الدم «مقيم بشكل شرعي في الأراضي المصرية لدى عائلته، باعتبار أن أمه مصرية»، ولديه «استثمارات في مصر يعمل فيها آلاف المصريين». وأوضحت المرغني أن الميثاق العربي لحقوق الإنسان الصادر من الجامعة العربية والذي وقعت عليه مصر وليبيا «يحمي اللاجئ السياسي من جراء الاضطهاد الذي يقابله في بلده ويمنع تسليمه لبلده، وله حقوق على البلد المقيم بها، لجهة حمايته والحفاظ على حقه وأمنه سواء على النفس أو ماله». وأشارت إلى أنه «لم يصل إلى السلطات القضائية المصرية أي طلب للتسليم من الانتربول الدولي، وحتى لو وصلهم، فللمطلوبين حق على الدولة أن تمنحهم فرصة من الوقت ليطلبوا من دولة أخرى حق اللجوء إليها ومنحهم تأشيرة دخول، وأن تؤمن لهم مصر خروجاً آمناً، ولا تحقّر أو تدنّي من شخصيتهم». وقالت إنها خاطبت رئيس لجنة حقوق الإنسان العربية، التابعة للأمين العام لجامعه الدول العربية، عبدالرحمن يوسف العوضي، وطالبته بالتدخل. والموقوفون الثلاثة من قبل السلطات المصرية هم من ضمن لائحة تضم نحو 1800 شخصية ليبية، بينهم رجال أعمال ورجال أمن واستخبارات في عهد القذافي. وتطالب السلطات الليبية بتسلمهم لمحاكمتهم على جرائم ارتكبوها في عهد النظام الليبي السابق. وينحدر قذاف الدم من أب ليبي وأم مصرية، وولد في العام 1952 في مدينة مرسى مطروح الساحلية (شمال مصر)، وأخواله ينتمون إلى قبائل أولاد علي التي تستوطن الحدود المصرية - الليبية، وتسيطر عليها سيطرة تامة. وكان الدكتور محمد المقريف، رئيس المؤتمر الوطني الليبي، زار مصر أخيراً على رأس وفد ضم النائب العام ووزيري العدل والداخلية، واجتمع مع الرئيس المصري محمد مرسي والنائب العام المستشار طلعت عبد الله ورئيس الوزراء هشام قنديل من أجل بحث ملف المطلوبين.