ساد الاضطراب قضاء هيت في محافظة الانبار الذي سيطر مقاتلو تنظيم «داعش» عليه منذ أيام، في سيناريو مشابه لسيطرتهم على مدينة الموصل قبل أكثر من ثلاثة شهور، ما دفع بالأهالي إلى توقع أيام سيئة لا تقتصر على غرق مدينتهم بالظلام وانقطاع تام في الخدمات ونقص الغذاء، بل أيضاً باستمرار القصف الجوي، ولذا كان خيار النزوح هو الأمثل وإن كان محفوفاً بالمخاطر. ويقول شهود ل «الحياة» من داخل القضاء إن التنظيم المتطرف يسيطر على 80 في المئة من مدينتهم باستنثاء «جزيرة البونمر» التي تقطنها قبيلة «البونمر» ويفصل بينهما جسر يعرف بجسر هيت أيضاً. ويضم الجزء الذي يسيطر عليه تنظيم «داعش» قبائل سنية مختلفة بينها العبيدات والبونمر والجغايثة والبوفهد والكرابلة والراوين والكبيسات والموالي. وبحسب سكان من هيت فإن عملية السيطرة على القضاء كانت مشابهة إلى حد كبير لعملية احتلال الموصل. ويقول همام (19 سنة) الذي يسكن في مركز القضاء إن «قوات الجيش العراقي لم تكن موجودة في ساعة اقتحام المدينة وان عناصر قليلة من «داعش» قاموا بتفجير مراكز الشرطة بصهاريج مفخخة، وخلال وقت قصير سيطر التنظيم على معظم مناطق القضاء الأمر الذي شكّل صدمة لنا جميعاً». ويضيف: «عشائر البونمر منعت «داعش» من احتلال الجزيرة، لكن تبادل اطلاق النار وتحليق الطائرات وتوقع نفاد الغذاء وانقطاع التيار الكهربائي عجّلت في رحيل الكثير من سكان القضاء». ويردف همام «لكن النزوح لم يكن مسموحاً حتى مساء يوم الاثنين الماضي، حيث منع عناصر التنظيم الأهالي من مغادرة القضاء، وقاموا بتفتيش المنازل والتدقيق في البطاقات الشخصية للبحث عن منتسبي الأجهزة الأمنية وتصفيتهم». اما أبو سعد (46 سنة) الذي وصل إلى بغداد صباح أمس هرباً من القتال الدائر في هيت فيؤكد أن «عناصر داعش الذين اقتحموا هيت كانوا في غالبيتهم من العراقيين، بل أن لهجتهم تدل على أنهم من محافظة الانبار أو المناطق القريبة منها، وهذا كان السبب الرئيسي وراء السماح لبعض العائلات بمغادرة القضاء، باستثناء عائلات منتسبي الاجهزة الامنية». ويشير إلى أن «أفراد التنظيم لا يرتدون اللثام ولا يبدو انهم يريدون الاحتفاظ بقضاء هيت طويلاً، لأن القضاء سيخلو تماماً من سكانه خلال ساعات، الأمر الذي سيفقد داعش ما يُعرف بالدروع البشرية». ويستدرك أبو سعد بالقول: «لكن التنظيم قام بإخلاء بعض المناطق المحيطة بقضاء هيت وأجبر مئات العائلات فيها على النزوح إلى مدينة الفلوجة تحديداً والتي يتحصن بداخلها»، الأمر الذي يعزز فرضية نية «داعش» عدم الاحتفاظ بهيت وأن الهدف من اقتحامها كان تخفيف الضغط على جبهات أخرى أبرزها الفلوجة. ويضيف أبو سعد «سمعنا أن عشيرة البونمر بدأت بقصف هيت بقذائف الهاون كما أن الطائرات تحلّق بكثافة وهناك حصار محكم للمدينة من قبل الجيش العراقي». ويردف: «على رغم رغبتنا في التخلص من هذا التنظيم إلا أننا قلقون على منازلنا وممتلكاتنا». وتشير الأنباء الواردة من محافظة الانبار إلى أن القوات اأمنية بقيادة العقيد شعبان بردان العبيدي في ناحية البغدادي وباسناد من قبل طيران التحالف الدولي طوّق أمس مواقع «داعش» من ثلاثة محاور في قضاء هيت، وان الجهة الأولى هي 35 كلم، والجهة الثانية من الجزيرة في البونمر، والجهة الثالثة من معسكر هيت. وكان نائب رئيس مجلس محافظة الأنبار فالح العيساوي ذكر أمس أن «مدن الانبار شهدت منذ الساعات الأولى لصباح اليوم (أمس) طيراناً كثيفاً ومستمراً»، مبيناً أن «الطيران العراقي والدولي قام بقصف عدد من مواقع وتجمعات تنظيم داعش وتدمير خطوطهم الدفاعية في هيت وكرمة الفلوجة وفي كبيسة والقائم وراوة ومحيط الرمادي الشمالي والجنوبي». وأضاف أن «المظلة الجوية في سماء الأنبار إذا استمرت بهذا الشكل، ستقلب الموازين وسيتم تطهير مدن الأنبار وكبح الارهاب خلال اشهر قليلة من دون الحاجة إلى وقت طويل».