يكفينا حضور معرض الرياض الدولي للكتاب بيننا سنوياً مؤونة البحث عن الكتب وتتبع الإصدارات الجديدة، وأقصد ب«الحضور» دور النشر العربية والأجنبية، وإن كان ثمة كلمة شكر توجه لوكالة الثقافة فهي على مواصلة تنظيم المعرض سنوياً من دون انقطاع «والله يستر». هذا الإرث الجميل الذي تركته وزارة التعليم العالي لوكالة الثقافة عقب إنشائها في بداياته كان تحدياً كبيراً لوكالة الثقافة في أن تتجاوز كل المعوقات لتمضي بثبات وثقة، على رغم ما كان يكتنف هذه الجهود من تحديات جمة، على رأسها الممانعة التي قادها التيار الديني، حتى كادت تحبط كل الجهود المبذولة لولا إرادة العاملين في تحقيق هذه الرؤية. كان هذا بمثابة إحراز هدف حاسم في مرمى كل الخصوم والمشككين في نجاح التجربة الجديدة التي قادها بثبات عزم وشكيمة وكيل الثقافة الأسبق الدكتور عبدالعزيز السبيل، اليوم يكفينا هذا الإنجاز الذي أوصلنا إلى الكتاب، وكنا ننتظر صدقاً أن يأتي من يتمم هذا الإنجاز بإنجاز آخر على غراره أو أقوى منه، إلا أن انتظارنا الطويل لتحقيق المختلف أسفر عن إحباط، فمعرض الرياض في دورته الحالية يكشف عن قصور في أكثر من وجه، أولها الارتباك في وصول شحنات الكتب لأجنحة العارضين، والتعطيل الدائم في طرفيات البحث، وتعذر وصول شبكات الاتصال للهواتف المحمولة، وعدم إصدار نشرات يومية للفعاليات. لن نستغرب هذا القصور البتة، فالممارسات الأخيرة التي تقوم بها الوكالة اليوم لا تلبي أدنى تطلعات المثقفين، وقد يعذر لوكالة الثقافة أي تقصير حدث أو قد يحدث، لأنها لا تزال عالقة في قضايا لم تحلّ حتى الآن، كمجالس الأندية الأدبية السابقة وتهم الفساد، التي وصلت بالثقافة والمثقفين إلى غرف المحاكم ومخافر الشرطة، وكان مبعثها التشكيك في صدقية الانتخابات، ما أثبت عدم قدرة الوكالة على إدارة هذه الأزمة بما يليق بها، حتى وصل الطوفان إلى الإدارة العليا بالوزارة، وصار هناك من يسأل وزير الثقافة والإعلام في أمر أوكل له من يقوم به نيابة عنه، وإذا بنا نرى أن هنالك من يريد أن يؤاخذ الوزير بجريرة تصرفات غير مسؤولة لم يأمر بها، حتى حمي وطيس الأنفس المتشاحنة. يبدو أن وكالة الثقافة لم توفق حتى اليوم إلى مستشارين يتحلون بالحكمة التي لا يلقاها إلا كل مجرب عليم وعقل سديد، ولعل مستشاري الوكالة لم يبخلوا عليها بالمشورات، والوكالة لا تسمع لهم أو تعيرهم انتباهها، وربما أحب هؤلاء المستشارون أن ينالهم من الحب جانب فآثروا أنفسهم ولو كانت بغيرهم خصاصة... وبصمتهم في معرض الرياض واضحة، إذ لم يوفقوا بشكل كافٍ لتنظيم الفعاليات الثقافية بما يليق بمعرض كبير كمعرض الرياض الدولي، ليقف معرضنا أمام المعارض الخليجية قصير القامة ليس لديه القدرة على فتح النوافذ المتنوعة، مثل برامج للمرأة، وبرامج للطفل، وبرامج ذوي الاحتياجات الخاصة، وورش عمل متنوعة. لننظر ونتأمل في قائمة الأسماء الواردة في جدول الفعاليات الثقافية، لن تجد كثيراً من الأسماء المهمة الرائدة في سماء الثقافة والأدب، هل أعوزت هؤلاء الحيلة حتى أفقدتهم القدرة على استضافة أسماء مثرية لتجربتنا الإبداعية والفكرية؟ ثم تعالوا إلى جوائز هذا العام التي أثارت ضغينة الكثير من المثقفين والمبدعين، إذ وزعت بكرم حاتمي على من يستحق ومن لا يستحق بلا إنصاف أو حتى احترام للمثقفين والأدباء. هناك من المستشارين من سعى خلف الأبواب المغلقة والصمت المطبق لحصد جائزتين في وقت واحد على كتاب لم يره أو يقرأه أحد، وإنما مرر الكتاب على ثلاثة محكمين، كما قيل، لا يدري من هم، ليخول له الحصول على جائزتين، الأولى للمؤلف، والثانية للناشر، وهو عينه المؤلف، الذي يعمل بتفانٍ واحتكار مطلق لطباعة كتيبات الوزارة وإصداراتها بمئات الآلاف، وكأنه متعهد للوكالة من خلال دار نشر تكاد تكون وهمية، بدءاً من قصص الرواد، مروراً بأنطولوجيا القصة والشعر، ثم الرواية التي فاز بها! وأخيراً: الكتاب الذي يجري اتصالاته حالياً لإنجازه بعنوان «المكان في ذاكرتهم»! ألم يخش الوكيل أن تثار الشكوك على أكثر من صعيد؟ فأي منحة حاتمية يمنحها ل«المفردة»؟ هل هو نابع من إيمان عميق بتفردها وصاحبها بالإبداع، مع أنك يوماً ما وأمام العلن أعلنت بصوت جهور أن لا رواية سعودية جديرة بالاهتمام! وهل سيكون ترشيح صديقنا الروائي عبده خال اللجام الذي تشد به أفواهنا كي لا نقول يكفي هذا العبث؟ عبده خال يستحق على كل رواية جائزة، وتأخر منحه كثيراً، ولعله لهذا السبب يوضع على حد المساومة ل«تفويز» «الآخر» بما هو أجزل، بمعنى «إحنا والقمر جيران» ليبدد ذلك الريبة ويشتت الهواجس! فهل يعني ذلك أن هذا استغلال لحياء المثقفين وتعففهم وخشيتهم من أن يوصموا بالحسد والحقد على فلان و«علان» لأنهم فازوا من دون غيرهم؟ ثم أليس من حق المثقف أن يكون ذا كلمة حق من دون أن يكال له وابل من التهم ثم يُقصى من المشهد الأدبي والثقافي إلى الأبد؟ هل تريد الوكالة الثقافية ثلة من «المنافقين» كي تمنحهم النجوم وتغدق عليهم بالتذاكر لحضور الفعاليات الثقافية من دون غيرهم؟ أخيراً... التصرفات التي أوغرت الصدور حتى امتلأت كرهاً للوكالة الثقافية يتحمل الوكيل جزءاً من مسؤولياتها، فيجب ألا يثار مزيد من الضغائن والأحقاد بين المثقفين، وأتمنى من الوكيل أن يترك بصمة جيدة تذكر قبل رحيله من كرسي الوكالة، حتى يتلقاه المثقفون مستقبلاً بوصفه واحداً منهم بشيء من السماحة والعفو. وأختم بالقول للوكيل: لا تنسوا صرف مستحقات العاملين معكم من الإعلاميين والمنظمين من دون نقصان أو تأخير، «اعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه». * كاتب وروائي سعودي. [email protected] @almoziani