في وقت ساد الهدوء مدينة بورسعيد للمرة الأولى منذ 26 كانون الثاني (يناير) الماضي وتوقفت المصادمات بين الشرطة والمتظاهرين التي أوقعت عشرات القتلى بعدما انسحبت الشرطة تماماً من شوارع المدينة التي باتت في عهدة الجيش والأهالي، استمرت الاشتباكات الدامية بين قوات الأمن المركزي والمتظاهرين في محيط ميدان التحرير، ما أوقع مصابين جدداً. وفي بيان لافت، دعت النيابة العامة المواطنين إلى توقيف «مرتكبي الجرائم»، معتبرة أن ذلك الأمر «حق قانوني». وجاء موقف النيابة العامة وسط اعتراضات واسعة على اقتراح قيادات في حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لجماعة «الإخوان المسلمين»، بمنح أفراد الأمن في الشركات الخاصة سلطة الضبطية القضائية (التوقيف) أسوة بضباط الشرطة والجيش، لتجاوز أزمة الإضرابات التي استشرت في قطاعات وزارة الداخلية، رغم أن الرئاسة قللت من أهميتها وقالت إن 15 قسم شرطة فقط شهدت إضرابات. وتواصلت الاشتباكات بين قوات الشرطة والمتظاهرين على كورنيش النيل قرب ميدان التحرير وعند مدخل جسر قصر النيل، ورشق متظاهرون الشرطة بالحجارة والزجاجات الحارقة، فيما ردت قوات الأمن بإطلاق وابل من قنابل الغاز المسيل للدموع وطاردت المتظاهرين على الجسر واعتقلت العشرات. وأصيب متظاهرون جراء طلقات خرطوش قال شهود عيان إن الشرطة أطلقتها تجاههم. وأعلنت وزارة الصحة أن مواجهات أول من أمس في محيط ميدان التحرير أسقطت قتيلين و48 مصاباً، فيما جُرح ثمانية متظاهرين في مدينة المحلة الكبرى العمالية في محافظة الغربية في اشتباكات أمام قسم شرطة المحلة. وكان مئات المتظاهرين تجمعوا أمام قسم الشرطة ورشقوه بالزجاجات الحارقة والحجارة، فردت قوات الشرطة بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع وطاردت المتظاهرين في محيط القسم لتفريقهم. وفي بورسعيد، عادت مصالح حكومية عدة إلى العمل بعد أسابيع من العصيان المدني، إذ فتحت الأحياء أبوابها وكذلك هيئة موانئ بورسعيد والمنطقة الحرة للاستثمار، فيما استمر ديوان عام المحافظة مغلقاً وكذلك المدارس. وسيرت القوات المسلحة دوريات من قواتها للتأكد من استتباب الحالة الأمنية في المدينة، وسط غياب كامل للشرطة. وأعلنت القوات المسلحة حملة بعنوان «في حب مصر» وزعت خلالها قمصاناً على الشباب في شوارع مدينة بورسعيد، وشارك جنود ومواطنون في تنظيف شوارع المدينة أمام مبنى ديوان عام المحافظة ومديرية الأمن حيث دارت اشتباكات دموية بين الشرطة والمتظاهرين على مدار الأسابيع الماضية سقط فيها قتلى وجرحى. وقال قائد الجيش الثاني الميداني اللواء أحمد وصفي في مؤتمر صحافي مساء أول من أمس إن «الجيش مؤسسة قتالية وليست أمنية»، مؤكداً أن قواته «لن تحل محل وزارة الداخلية». وناشد الأهالي والتجار «العودة إلى العمل والانتاج»، مشدداً على أن «القضاء المصري كفيل برد الحق إلى أصحابه». وأضاف: «لن يُظلم أحد»، في محاولة لتهدئة غضب الأهالي من الحكم بإعدام 21 من المدانين في قضية «مذبحة بورسعيد». وتفقد وصفي حركة سير السفن داخل المجرى الملاحي لقناة السويس وإجراءات تأمينه بواسطة العناصر المشتركة من القوات البرية والبحرية. وأكد رئيس هيئة قناة السويس مهاب مميش أن «الملاحة منتظمة وآمنة وتسير في شكل طبيعي في المجرى الملاحي لقناة السويس وأن حركة المعديات التي تنقل الأفراد والسيارات بين ضفتي القناة تعمل بكامل طاقتها وبطول المجرى الملاحي لقناة السويس». وفي واقعة هي الأولى، ألقى مجهول قنبلة يدوية على مدرعة للشرطة داخل مديرية أمن لكنها لم تنفجر، وقامت قوات الحماية المدنية وخبراء المفرقعات بالتعامل معها وإبطال مفعولها. وقالت مصادر أمنية إن «القنبلة اسطوانية الشكل بطول 10 سنتيمترات وقطر 6 سنتيمترات منزوعة الذراع وفتيل الأمان ويعلوها غطاء أحمر اللون». وتولت النيابة العامة التحقيق. وساعد إطلاق المبرئين في قضية «مجزرة بورسعيد» في تهدئة الأوضاع الميدانية في بورسعيد، وزار المفرج عنهم فور خروجهم من محبسهم قبور قتلى الاشتباكات الأخيرة بين الشرطة والمتظاهرين. وعلى صعيد العصيان في قطاعات الشرطة، قطع عدد كبير من ضباط وعناصر الشرطة في الإسكندرية خطوط السكك الحديد عند محطة سيدي جابر الرئيسة للمطالبة بإقالة وزير الداخلية. ووضعت عناصر الشرطة المحتجة جذوع أشجار وأخشاباً على قضبان السكك الحديد، قبل أن تتدخل قيادات المحطة لإقناعهم بإعادة تسيير الحركة. وأضرب عشرات من أفراد وأمناء الشرطة في قسم أول مدينة الإسماعيلية عن العمل أمس وأغلقوا قسم الشرطة بالسلاسل والأقفال الحديد للمطالبة بإقالة وزير الداخلية وتفعيل قانون التظاهر. ومنع المحتجون المواطنين من دخول القسم لاستخراج الأوراق المدنية من قسم الحاسب الآلي فيه. ونظم أفراد وأمناء قسم شرطة المنيا وقفة احتجاجية أمام مقر القسم، مطالبين ب «إقالة وزير الداخلية وسرعة إصدار تشريع يحميهم في مواجهة العنف وعدم الزج بهم في المعارك السياسية وإعادة تسليح الضباط والأفراد وتطهير الوزارة». وأغلق المحتجون أبواب القسم معلنين الإضراب عن العمل والتضامن مع زملائهم في المحافظات كافة. وأغلق أفراد الأمن في قسم شرطة شبين الكوم في المنوفية الأبواب أمام المواطنين وأعلنوا الإضراب عن العمل، وواصل أفراد الأمن في مركز شرطة قويسنا إضرابهم لليوم الثاني على التوالي للمطالبة بإقالة وزير الداخلية واعتراضاً على سياسة الوزارة. كما واصل ضباط وأمناء وأفراد الشرطة في العريش إضرابهم داخل أقسام الشرطة وفي الإدارات وأعلنوا اعتصامهم داخل مقار عملهم وعدم الخروج إلى الخدمات. ونظم عدد من أفراد وأمناء الشرطة في طوخ وشبين القناطر في محافظة القليوبية وقفة احتجاجية أمام مراكز الشرطة معلنين اعتصامهم وإضرابهم عن العمل للمطالبة بإقالة وزير الداخلية ومساعديه «وتطهير الوزارة وعدم الزج بالشرطة في الخلافات السياسية بين الشعب والرئاسة». وفيما بدا أنه محاولة لتدارك آثار العصيان، دعت النيابة العامة المواطنين إلى توقيف «المخربين». وقال رئيس المكتب الفني للنائب العام حسن ياسين في بيان إن ضباط الشرطة والجيش يحق لهم القبض على المتهمين في «جرائم تخريب المنشآت العامة والخاصة وقطع الطرق وتعمد تعطيل المواصلات العامة، وبث الرعب بين المواطنين، وغلق المؤسسات الحكومية والخاصة، ومنع موظفي الدولة من أداء أعمالهم، في حال إتيانها في حال تلبس» من دون حاجة إلى صدور أمر قضائي». وأضاف: «يحق أيضاً للمواطنين الإمساك بمرتكبي تلك الجرائم، وغيرها من الجرائم الجنائية، طالما أنهم قد شاهدوها في حال تلبس، وتسليمهم إلى أقرب رجل شرطة أو أحد مأموري الضبط القضائي»، داعياً جموع المواطنين إلى «استخدام حقهم المخول لهم في هذا الصدد، بموجب القانون والإمساك بمرتكب أية جريمة متلبساً بها، وتسليمه إلى أقرب مأمور ضبط قضائي، وإبلاغ الجهات المختصة بما لديهم من معلومات عن أية جرائم وقعت بالفعل، باعتبار أن ذلك الأمر واجب وطني والتزام قانوني». من جهة أخرى، دانت «حركة شباب 6 أبريل» الاعتقال العشوائي لأعضاء فيها الأسبوع الماضي في محيط ميدان التحرير أثناء رصدهم المصادمات بين الشرطة والمحتجين، مشيرة إلى اعتقال ثلاثة من أعضائها. وهددت بالتصعيد في حال عدم إطلاقهم.