سألت مصادر وزارية عن السبل الآيلة إلى تصحيح علاقة لبنان الرسمي بدول مجلس التعاون الخليجي، في ضوء ما تبلغه رئيس الجمهورية ميشال سليمان من الأمين العام للمجلس عبداللطيف الزياني الذي زاره أخيراً على رأس وفد يضم سفراء هذه الدول المعتمدين لدى لبنان، وقالت إنه لم يحمل معه أي شكل من أشكال التهديد السياسي بمقدار ما انه وضع النقاط على الحروف، موضحاً الأسباب الكامنة وراء تصاعد «النقزة» في داخل دول المجلس من بعض المواقف لأطراف أساسيين في الحكومة من الأحداث الجارية في سورية، والتي لا تنطوي على دعم مباشر للرئيس بشار الأسد ضد المعارضة فحسب، وإنما تشكل أيضاً انحيازاً إلى جانبه من خلال مشاركة بعض الأطراف في المعارك الدائرة فيها. وكشفت المصادر نفسها ل «الحياة» أن رسالة الاحتجاج التي نقلها الزياني باسم دول مجلس التعاون الخليجي إلى رئيس الجمهورية، لا تتعلق بموقف رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون من الأحداث الجارية في مملكة البحرين وتأييده المعارضةَ فيها، ولا تمت بصلة مباشرة الى الرسوم التي رُفعت لقادة خليجيين في بعض أحياء في ساحل المتن الشمالي، وإنما باستياء الرأي العام في دول المجلس من مشاركة أطراف في الحكومة بالقتال إلى جانب النظام في سورية تحت مسميات الدعوات الجهادية، أو في لجوء أطراف آخرين إلى توفير الغطاء السياسي لمثل هذه المشاركة، إضافة الى قيامهم بنشاطات في عدد من الدول بالنيابة عن حلفاء لهم. ولاحظت المصادر عينها أن الزياني، ومعه سفراء دول الخليج في لبنان، تحدثوا أمام رئيس الجمهورية بلهجة واحدة وهم يعدّدون مآخذهم على بعض الأطراف الذين تجاوزوا في مواقفهم المؤيدة للنظام في سورية الدعم السياسي والإعلامي الى الدعم اللوجستي بكل ما للكلمة من معنى. كما لاحظ أطراف آخرون كانوا التقوا سفراء دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسهم الوفد المشترك لقوى 14 آذار، صعوبةَ التمييز بين موقف سفير وآخر، أو في التقاط إشارات يمكن التعامل معها على وجود اختلاف في وجهات النظر في كيفية تعاطي مكونات أساسية في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي مع الأحداث الجارية في سورية. ولفتت المصادر نقلاً عن هؤلاء السفراء، إلى انهم ينظرون إلى المواقف اللوجستية والعملانية الداعمة للنظام في سورية على أن أصحابها كأنهم يصرون على إعلان الحرب السياسية ضد دول الخليج لموقفها المؤيد للمعارضة السورية. وأكدت، وفق السفراء أنفسهم، أن الانحياز العملاني لأطراف في الحكومة الى جانب النظام في سورية من شأنه أن يدفع في اتجاه المزيد من اهتزاز الثقة بين هذه الحكومة وبين دول الخليج العربي مع أنها ما زالت تتعاطى معها بشديد من الحذر. خرق لسياسة النأي بالنفس وفي هذا السياق، نقلت المصادر عن السفراء قولهم إن اشتراك بعض الأطراف، وبصورة عملانية، في القتال إلى جانب النظام في سورية، مهما كانت المبررات والذرائع، يشكل خرقاً لسياسة النأي بلبنان عن الأحداث في سورية ولإعلان بعبدا الذي أجمعت عليه أطراف طاولة الحوار الوطني برئاسة سليمان، وينادي بالوقوف على الحياد لقطع الطريق على الارتدادات السلبية للقتال الدائر في سورية على الوضع الداخلي في البلد... كما نقلت عنهم السؤال عن الجدوى السياسية من مطالبة وزير الخارجية والمغتربين عدنان منصور قبل أن يسلم رئاسة مجلس وزراء خارجية الدول العربية الى نظيره المصري، بإنهاء تعليق عضوية سورية في جامعة الدول العربية، خصوصاً أن موقفه هذا يتعارض مع موقفي رئيسي الجمهورية والحكومة، على رغم أنه حاول تبرير الأسباب التي أملت عليه اتخاذ مثل هذا الموقف من دون أن يتراجع عنه. ولفتت المصادر في «14 آذار» إلى أن احتضان موقف منصور من قبل «حزب الله» بلسان رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، يطرح بإلحاح السؤال ما إذا كانت السياسة الخارجية للبنان مستقلة عن توجيهات رئيس الجمهورية بالتنسيق مع رئيس الحكومة، وقالت إن هناك ضرورة للقيام بجهد فوق العادة بغية استيعاب تصدع موقف دول الخليج من الحكومة اللبنانية. ورأت ان سليمان هو الأقدر على القيام بهذا الدور لاعتبارات أبرزها أنه لم يخرج ولو لمرة عن التزام لبنان بالحياد وكان السبّاق في اتخاذ مواقف من مسألة النازحين السوريين إلى لبنان ومن رسالة المندوب الدائم لسورية في الأممالمتحدة السفير بشار الجعفري ومن توقيف الوزير السابق ميشال سماحة بتهمة نقل متفجرات من سورية الى لبنان لتفجيرها في أماكن عدة في شمال لبنان، وما أعقبها من مذكرة توقيف غيابية بحق مسؤول الاستخبارات العامة في سورية اللواء علي مملوك. وأكدت هذه المصادر أن الحملة التي يشنها عدد من المكونات المنتمية إلى قوى 8 آذار بالتضامن مع «تكتل التغيير والإصلاح» على رئيس الجمهورية، لا تتعلق بموقفه من قانون الانتخاب الجديد، وإنما تأتي بسبب مواقفه الجريئة من تطورات الأحداث في سورية، وإن كان أصحاب هذه الحملة لا يسجلون على أنفسهم أنهم أرادوها للتناغم مع النظام في سورية. الى ذلك، تبدي مصادر ديبلوماسية غربية مخاوفها من أن يكون لانزلاق البعض في الرمال السورية المتحركة، من خلال دعمهم العملاني للنظام، علاقةٌ مباشرة بتوفير الذرائع لتأجيل إجراء الانتخابات النيابية المقررة في 9 حزيران (يونيو) المقبل مع فتح الباب أمام الترشح لخوضها بدءاً من اليوم. وتؤكد هذه المصادر، نقلاً عن جهات لبنانية، أن أطرافاً رئيسيين، يبحثون منذ الآن عن «كبش محرقة» يأخذ على عاتقه الدعوة الى تأجيل إجراء الانتخابات، باعتبار أن أحداً لا يتجرأ على المطالبة بتعليق العمل بها في العلن. وتضيف هذه المصادر، وفق ما توارد اليها عن لسان سفير دولة إقليمية فاعلة في مجريات الأحداث في سورية، أن طرفاً رئيسياً كان التقاه أخيراً شدد على ضرورة إنجاز الاستحقاق الانتخابي في موعده، لكن هذا الطرف -المنتمي الى «8 آذار»- يرى نقلاً عن السفير نفسه، أن الظروف الراهنة ليست ناضجة لإجراء الانتخابات، في ظل تعذر التوافق على قانون انتخاب جديد بسبب انعدام التواصل بين أطراف فاعلين في الأكثرية وآخرين في المعارضة. كما يرى الطرف السياسي نفسه، أن إجراء الانتخابات في هذه الظروف من دون إحداث أي تغيير في المناخ السياسي العام سيؤدي حتماً إلى تهديد الاستقرار في لبنان، وبالتالي لن يكون لمصلحة الحفاظ عليه. إلا أن هذا الطرف، وبلسان أحد أبرز مسؤوليه الذين يقومون بالتواصل مع السفراء، يؤكد في الوقت عينه أن ما يقوله في شأن الانتخابات يعكس واقع الحال، ولا يحمل أي تهديد، على رغم انه لم يتحدث صراحة عن تأجيلها وإنما أراد أن يوحي من خلال عرضه بصعوبة إجرائها. من يبتدع التأجيل وكيف؟ وعليه، فإن باب الترشح سيقابل بمعارضة شديدة من قبل مكونات الأكثرية في الحكومة، باعتبار أن الترشح على أساس القانون النافذ -أي الستين- يتناقض مع تعاملها معه على أنه ميت، وبالتالي ستعزف حتى إشعار آخر عن الخوض فيه، على رغم أن مثل هذا التدبير ضروري ويأتي من ضمن الإجراءات المنصوص عنها في الدستور. وتعتقد مصادر وزارية أن موقف «8 آذار» من فتح باب الترشح، ولاحقاً من تشكيل هيئة الإشراف على الانتخابات، سيؤدي حتماً إلى إقحام البلد في مغامرة، لغياب أي مؤشر إيجابي إلى إمكان التفاهم على قانون مختلط يجمع بين النظامين النسبي والأكثري، ولاستبعاد دعوة رئيس المجلس النيابي نبيه بري الهيئة العامة في البرلمان إلى مناقشة مشروع اللقاء الأرثوذكسي إلا إذا ضغط حلفاؤه لعقدها، على رغم أن الجلسة لن تكون ميثاقية في غياب تيار «المستقبل» و «جبهة النضال الوطني». وتؤكد أن لعبة عض الأصابع اقتربت من نهايتها وباتت تضغط لحسم الموقف من الانتخابات، مع أن بري يرى أن لا استحالة أمام إعادة النظر في المهل في حال تم التوافق على قانون مختلط يبدو أنه من سابع المستحيلات حتى إشعار آخر. لكنها تسأل في المقابل عن «الفدائي» الذي يتجرأ على طلب تأجيل الانتخابات، وهل يكون المخرج بالتوقيع على اقتراح قانون يدرَج على جلسة طارئة للبرلمان قبل انتهاء العقد البرلماني العادي في 31 أيار (مايو) المقبل؟ وتعزو السبب إلى أن انتهاء العقد العادي للبرلمان من دون التوصل الى تفاهم على قانون لإجراء الانتخابات وقبل 20 حزيران المقبل، موعد انتهاء ولاية المجلس الحالي، سيدفع في اتجاه حصول فراغ في السلطة التشريعية، وهذا ما لا يريده أحد، لا سيما قوى 8 آذار. وتضيف أن البرلمان مع انتهاء العقد العادي قد يجد صعوبة في فتح دورة استثنائية، أولاً لضيق الوقت، وثانياً لأن فتحها يجب أن يترافق مع جدول أعمالها ويتم بمرسوم يصدر عن رئيس الجمهورية... فهل أن الأخير سيوقع عليه إذا ما تضمَّن تأجيلَ الانتخابات؟ وماذا سيقول للذين يعوّلون على رفضه شخصياً للتمديد؟ أم أن المخرج يكون بحسمه في الدورة العادية وبالتالي يتحمله النواب بدلاً من أن يقحم سليمان فيه ليعفي البرلمان من أن يشرب هذه «الكأس المرة»؟