يقف مجلس الوزراء اللبناني في جلسته المقررة في 21 الجاري برئاسة رئيس الجمهورية ميشال سليمان أمام استحقاقين لا يمكن الاستهانة بهما: الأول إصرار الأخير على طرح ما توصلت اليه هيئة الاستشارات والقضايا برئاسة وزير العدل شكيب قرطباوي في شأن تشكيل الهيئة العامة للإشراف على الانتخابات، والثاني يتعلق بإعادة درس سلسلة الرتب والرواتب للعاملين في القطاع العام في ضوء تهديد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بعدم اقرارها تحت الضغط إذا ما استمرت هيئة التنسيق النقابية في الإضراب، في مقابل مبادرة أطراف أساسية في قوى 8 آذار الى التلويح بالاستقالة من الحكومة ما لم تقر هذه السلسلة. وعلمت «الحياة» من مصادر وزارية أن سليمان يصر على طرح المطالعة التي توصلت اليها هيئة الاستشارات والقضايا في وزارة العدل على بساط البحث، وإلا فإنه يميل الى تعليق عقد جلسات مجلس الوزراء في بعبدا من دون أن يستبعد أحد الوزراء لجوء الوزراء المحسوبين عليه الى الاعتكاف والانقطاع عن حضور الجلسات التي تعقد في السراي الكبيرة برئاسة وزير الحكومة نجيب ميقاتي. وأكدت المصادر نفسها ان اصرار عدد من الوزراء المنتمين الى قوى 8 آذار على إقرار السلسلة يأتي في سياق الضغط على رئيسي الجمهورية والحكومة لأسباب تتجاوز دعم التحرك النقابي الى تمرير رسالة تحمل احتجاجاً واضحاً على توقيعهما المرسوم القاضي بدعوة الهيئات الانتخابية الى الاشتراك في الانتخابات. ولفتت الى أن لهذا الضغط علاقة مباشرة بالأجواء السياسية التي سادت جلسة مجلس الوزراء أول من أمس، وتميزت بتوزيع الأدوار بين وزراء 8 آذار ووزراء «التيار الوطني الحر» بعدم السماح بإجراء الانتخابات على أساس القانون النافذ، أي قانون عام 1960. وأكدت هذه المصادر ان هؤلاء الوزراء، مع الاختلاف في نبرات تهديداتهم، أجمعوا على أن لا انتخابات نيابية ما لم يقر قانون جديد. وتوقفت أمام قول وزير الصحة العامة علي حسن خليل إن اجراء الانتخابات على أساس قانون الستين سيلزمنا باللجوء الى خيارات جدية. ومع ان المصادر نفسها لم تعرف ما إذا كان تلويح وزير الصحة باللجوء الى خيارات جدية يمهد لدعوة الهيئة العامة في البرلمان الى الانعقاد وعلى جدول أعمالها مشروع اللقاء الأرثوذكسي أم أنه أراد أن يسجل موقفاً يسترضي به وزير الطاقة جبران باسيل الذي أصر في الاجتماع الذي جمعه به مع المعاون السياسي للأمين العام ل «حزب الله» حسين الخليل على ضرورة اجتماع البرلمان لإقرار المشروع الأرثوذكسي. كما أنها لا تستطيع ان تحكم على ما إذا كان تهديد وزير الصحة من باب التهويل للرد على قول رئيس الحكومة إن المشروع الأرثوذكسي لن يمر ولن يصل الى مرحلة الطعن، خصوصاً أنه انتقده في مداخلته في مجلس الوزراء بذريعة ان القرار في هذا لخصوص يعود الى الهيئة العامة في البرلمان وأن لا مانع لديه من رفض ميقاتي له، أم أن الاتصالات التي سبقت اجتماع الكتل النيابية في 14 آذار في البرلمان أول من أمس دفعت في اتجاه بلورة موقف موحد يقضي بإدراج هذا المشروع على جدول جلسة نيابية تعقد قريباً. لذلك، فإن كلمة السر في هذا الشأن تبقى ملكاً لرئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي لا يبدي حماسة لدعوة البرلمان الى الانعقاد لإقرار المشروع الأرثوذكسي في غياب مكونين أساسيين هما «جبهة النضال الوطني» و «تيار المستقبل» على رغم ان رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون سارع الى التهديد بخيارات بديلة. وفي السياق، سألت المصادر الوزارية عن سر التقاطع في موقف قوى 8 آذار بتهديدها بعدم اجراء الانتخابات، خصوصاً ان وزيري «حزب الله» حسين الحاج حسن ومحمد فنيش لوّحا بذلك في مجلس الوزراء وإن كان الأخير حاول ان يوحي بأنه لا يطلق التهديدات وأن ما يقوله من تعريض الاستقرار الى نكسة في حال تقرر اجراء الانتخابات على أساس قانون الستين هو بمثابة توصيف دقيق للتداعيات المترتبة على خطوة تتعارض ومصلحة البلد. كما سألت ما إذا كان لتهديد عون صلة مباشرة بالتهديدات التي أطلقها عدد من الوزراء في 8 آذار أم أنه يلوّح بخطوة يريد منها ان يقلب الطاولة في وجه الجميع، في اشارة الى عدم ارتياحه الى موقف بري من دعوة الهيئة العامة الى اقرار «الأرثوذكسي». ولم تستبعد المصادر أن يهدف عون من وراء تهديداته الى وضع حليفيه «حزب الله» وحركة «أمل» أمام قرار الأمر الواقع في اتجاه تبنيهما موقفه بالكامل من «الأرثوذكسي» في محاولة لوضع حد لابتزازه من جهة ولحشره في الزاوية من جهة ثانية باعتبار أنه يعتقد بأن المفتاح السياسي بيد بري. لكن المصادر تسأل أيضاً ما إذا كان عون بدأ يتحضر لتوجيه الدعوة لمحازبيه الى النزول الى الشارع احتجاجاً على عدم اقرار «الأرثوذكسي» وإحراجاً لحزبي «الكتائب» و«القوات اللبنانية» المؤيدين للمشروع وكبديل من استقالته من الحكومة التي يعود فيها القرار بالدرجة الأولى الى «حزب الله» الذي ليس في وارد الاستقالة، في مدى قريب. واعتبرت المصادر ان بعض الأطراف في الحكومة أخذوا يتصرفون وكأنهم يشكلون معارضة لها من داخلها، وقالت ان كل المواقف التصعيدية الصادرة عنهم ما هي إلا بمثابة رد على توقيع رئيس الجمهورية مرسوم دعوة الهيئات الناخبة. مع ان لا علاقة لهذا التوقيع بالحراك الدائر حول قانون الانتخاب بعد وصفه لقانون الستين بأنه ميت سريرياً لكنه لم يُدفن حتى الساعة. ولفتت الى ان سليمان لم يكن طرفاً في السجال الساخن حول قانون الانتخاب وأن توقيعه مرسوم دعوة الهيئات الناخبة ينسجم كلياً مع واجباته الدستورية ولم يقصد من خلال التوقيع تسديد ضربة الى هذا الطرف أو ذاك، بمقدار ما انه استند الى النصوص الواردة في الدستور في هذا الخصوص. وأكدت أن سليمان يتعرض حالياً الى حملة سياسية ظالمة يريد المروّجون لها إقحامه في «الوحل» الانتخابي مع انهم يدركون لدى مراجعتهم النصوص الدستورية انه لم يتقصد استهداف أي طرف. وتابعت ان سليمان لم ينتظر ردود الفعل المحلية أو الدولية على بعض مشاريع قوانين الانتخاب، وأن أكبر دليل على ذلك انه أول من جدد معارضته لقانون الستين والمشروع الأرثوذكسي وشدد على تمسكه بالمشروع الذي أحالته الحكومة على البرلمان والقائم على اعتماد النظام النسبي، لكنه لا يستطيع أن يدعو الهيئات الناخبة إلا على أساس القانون النافذ، أي الستين ويترك للبرلمان القرار النهائي في انتاج أي مشروع بديل. ورأت المصادر الوزارية ان من يريد تأجيل الانتخابات عليه أن يعلن موقفه من دون تردد وألا يبحث عن كبش محرقة لتحميل التمديد للبرلمان لسواه. وقالت ان معظم الأطراف يتبادلون الاتهامات حول تأخير اقرار قانون جديد للانتخاب لكنهم يتوافقون ضمناً على التأجيل من دون أن يمتلكوا الجرأة ليقولوا ما في داخلهم... وتعلق المصادر أهمية على اللقاء المرتقب بين بري ورئيس «جبهة النضال الوطني» وليد جنبلاط الذي سيعقبه حتماً لقاء بين الأخير ورئيس كتلة «المستقبل» رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة. وعزت السبب الى أمرين: الأول يتعلق برغبة رئيس «التقدمي» في الوقوف على رأي رئيس المجلس من «الأرثوذكسي» في ضوء ما يروج له البعض من أنه قد يعيد النظر في موقفه الرافض دعوة البرلمان للانعقاد من أجل النظر فيه، والثاني يعود الى ان جنبلاط يرغب في استمزاج رأي بري في الصيغة المشتركة التي توصل اليها تيار «المستقبل» مع «جبهة النضال» لقانون انتخاب جديد، خصوصاً أن هذه الصيغة أُنجزت من الناحية التقنية لكن التريث في الإعلان عنها يعود للرغبة في تسويقها سياسياً... وعلمت «الحياة» ان وفداً من «المستقبل» برئاسة النائب أحمد فتفت يواصل مشاوراته مع حزبي «الكتائب» و«القوات» والنواب المستقلين في 14 آذار، وهو التقى أخيراً النواب سامي الجميل وجورج عدوان وبطرس حرب في محاولة للتوافق على مجموعة من العناوين المشتركة الواردة في صيغة «المستقبل» و «التقدمي». ومع ان هذه المشاورات لم تتوقف وما زالت تدور في تبادل الأفكار والاستماع الى ما لدى النواب من ملاحظات، فإن وزراء رأوا ضرورة اتخاذ موقف جريء من تأجيل الانتخابات لما يترتب على التأجيل من تنفيس للاحتقان وخفض لمنسوب التوتر ووقف الاستنفار السياسي، خصوصاً أن بعض المتحمسين لإجراء الانتخابات هم الآن في طليعة الذين يمارسون في السر عكس ما يقولونه في العلن. بري: هيئة الاشراف وموت الستين وكان بري عبر عن «انزعاجه الشديد من الوضع الراهن»، ونقل نواب لقاء الاربعاء الاسبوعي عنه امس انه يعتبر ان «اقتراح اللقاء الارثوذكسي القانون الوحيد اليوم على المسار التشريعي ودائماً بانتظار قانون توافقي». ولفت الى ان «في تشكيل هيئة الاشراف على الانتخابات النيابية ورد في شأنها في قانون الدوحة الحالي 34 مادة، ولا تتعلق فقط بالاشراف على الانتخابات في حينه، بل ان النص يؤكد ان مهمتها جوهرية وتتعلق بالانتخابات اللاحقة ما يعني ان عدم تشكيلها يجعل من قانون الستين ميتاً».