ليست عمليات تهريب المخدرات وحدها ما دفع التلفزيون البريطاني للوصول إلى واحدة من أخطر المناطق الجبلية في أفغانستان، بل أيضاً الموضوع المثير الذي يتعلق بتعرض كثيرات من فتيات منطقة جلال آباد للخطف على أيدي المهربين، وأخذهن رهينات ووسيلة للضغط على آبائهن لدفع ما عليهم من ديون اقترضوها منهم لتوسيع حقولهم المخصصة لزراعة زهرة الخشخاش (الأفيون). لا يتساهل المهربون مع المزارعين، ولاسترجاع أموالهم يلجأون الى أساليب ضغط أكثرها انتشاراً خطف بنات الفلاحين وهن لا يتعدين سن الطفولة، واعتبارهن فدية يتصرفون بها كما يشاؤون، فربما يتزوجونهن قاصرات، ثم يبيعونهن إلى غيرهم، ثم إلى غيرهم... وهكذا يستمر المهربون في عملية المتاجرة بالأطفال الأبرياء واستغلالهن في شكل فظيع من دون رادع يمنعهم، ولا دولة تحمي الفتيات من جورهم. ومن ناحية أخرى، يضيف تدخل الأجهزة الأمنية والجيش وتخريبها حقول زهرة الخشاش ومحاصيلها، بهدف تجفيف مصادر تمويل حركة طالبان، أمراً آخر إلى خطف الفتيات، وهو استغلالهن جنسياً، لأن الإتلاف يتسبب في عجز المزارعين عن تسديد ديونهم لعصابات التهريب، أو تحسين مستوى مداخيلهم بعد موسم الحصاد. يوصف جبل هندوكوس في أفغانستان بأنه واحد من بين أكثر جبال العالم عزلة. النزول الى وديانه عسير جداً وخطير، لأسباب طبيعية وبشرية، لكونها المرتع الأكبر لزراعة زهرة الخشخاش في العالم، وعلى جانبيه تتم عملية تهريب واسعة تديرها شبكات باكستانية بحماية قوات طالبان، مقابل حصولها على أموال تقدر بأكثر من ربع بليون دولار سنوياً. وتؤمن حركة «طالبان» ممرات آمنة لنقل الخشخاش من الحقول الأفغانية الى الجهة الثانية من الحدود، لإتمام عملية تحويله إلى مخدر الهيروين في معامل صغيرة وبسيطة، ثم تصديره بعد ذلك وبيعه في مدن العالم تقريباً بأسعار عالية. في تلك المناطق المعزولة، والتي احتاج الصحافي نجيب الله قريشي خمسة أيام من السير على الأقدام للوصول اليها، لا وجود للدولة، وتسود قوانين عشائرية تنظم العلاقة بين سكان قراها الصغيرة، فالشيوخ يفصلون بين المتنازعين، لا الشرطة، وأحكامهم على المخطئ في أي نزاع كان، لا يتعدى دفع فديات مالية أو تزويج إحدى بناته القاصرات للطرف المتضرر، والأسلوب ذاته يتبعه مهربو المخدرات الباكستانيون مع المزارعين الأفغان. زار قريشي سراً أربع عائلات خطفت بناتها بعد عجز آبائهن عن دفع ديونهم للمهربين، واستمع إلى كلام أمهاتهن الحزين والمؤلم، فالبنات مازلن طفلات، ولا ذنب لهن في كل هذا، وتصف إحداهن الطريقةَ البشعة التي سُلِّمت بها ابنتُها ذات السبع سنوات الى المهربين فديةً مقابل إطلاق زوجها الأسير. وفي لقائه مع بعض الفتيات، شعر بحجم الخوف الذي يعتريهن، الى درجة قالت أكثر من واحدة بينهن إنها تفضل الانتحار على الزواج من المهربين أو الوقوع تحت سيطرتهم. الآباء بدورهم يشعرون بالعار والتقصير، ما دفع بعضهم الى إدمان المخدرات أو الهرب الى مناطق أخرى، من دون التأكد من عدم تمكن المهربين من الوصول اليها، فهم يسيطرون على المناطق بالكامل. من هنا، وجد المزارعون أنفسهم، ومعهم أطفالهم، واقعين بين مطرقة المهربين وبين سندان الدولة، وبخاصة في القرى القريبة من المدن التي لهم سلطة فيها، فالمهربون يريدون منهم الاستمرار في زراعة أزهار الخشخاش، والمزارعون -بسبب فقرهم ولمردودها المالي- يفضلونها على غيرها من المحاصيل، كالحنطة والشعير. في المقابل، تسعى الدولة، في خضمّ صراعها مع المهربين وطالبان، الى تدمير ما يزرعون... أما أولى ضحايا هذا الصراع والخاسر الأكبر فيه، فإنهن بنات المزارعين. يكشف برنامج «عرائس الأفيون» تواطؤ قوات «الناتو» في اللعبة الدنيئة، فعناصر هذه القوات، كما قال أحد قادتها، لا يشاركون في عملية الإتلاف، لأنها تسبب في أذى الفتيات والأطفال، لكنّ ما صوره البرنامج يُبيِّن العكس، فقد كانوا يحمون الجنود المكلفين إتلاف الخشخاش ويكتفون بمراقبتهم، والدولة بدلاً من حمايتهم، تطالب المجتمع الدولي والغرب بتوفير أموال ومشاريع تشجع على زراعة محاصيل أخرى غير الخشخاش، علماً أنها تعرف جيداً أنها بهذه المطالب تتهرب من مسؤولياتها. ولهذا يشعر قادة طالبان بالاطمئنان الى دورهم، فيما المهربون يتشجعون في توسيع عملياتهم التي توفر لهم بلايين الدولارات سنوياً. المفارقة التي يشير إليها البرنامج، أن سعر زهرة الخشاش ازداد أثناء وجود قوات الناتو عما كان عليه في عهد طالبان، فهو اليوم يصل الى ألفين وخمسمئة دولار للكيلوغرام الواحد، فيما كان سعره أقل من ألف دولار في زمن طالبان. وفي مقابلة، كشفت صفية صديقي عضوة البرلمان الأفغاني، حجم المشكلة الحقيقي والتابو الموجود في الثقافة الاجتماعية الأفغانية، الذي يمنع النساء من الحديث عن الانتهاكات الجنسية التي يتعرضن لها من الرجال. وقدمت عينات من الحالات التي تعرضت فيها فتيات مختطفات للاغتصاب والإتجار بهن كبضاعة في سوق «تجارة الرقيق» التي يمارسها المهربون وتقبل بها طالبان، باعتبارهن وسيلة مساومة «عادلة» لاسترجاع حق المهرب من المزارع، ولا يهمهم ما إذا أصبحت الطفلة غانية أو راقصة في المواخير. ولفتت صديقي الى مشكلة جديدة عند العائلة المزارعة، فهي تلجأ غالباً للضغط على بناتها لقبول زواجها من المهرب للتخلص من التزاماتها المادية، فيما الرفض يعني الطرد من المنزل والتشرد في الجبال أو، وهذا ما وثّقه البرنامج، «الموت انتحاراً».