أكد المزارعون وزعماء القبائل في هذه القرية الزراعية الساحرة في شرقي أفغانستان البيانات الصادرة من حكومة بلادهم عن قيام طائرات مجهولة برش حقول الخشخاش بمادة كيميائية سامة. قبل شهر من الآن قامت طائرة سوداء بهز نوافذ المنازل طوال الليل وهي ترش مادة كيميائية فوق المنازل والبساتين والحقول. وقد تحول لون نباتات الخشخاش إلى الأصفر مما ينذر بموتها. وقال محمد هشام-45 عاماَ- وهو أحد شيوخ القرية الذي أخذت نباتات الخشخاش في حقله في الذبول :«الناس مندهشون ومستاءون». وقال شقيقه شيخ القرية حاجي كمال الدين بوبالازي بان الحكومة طلبت منهم وقف زراعة الخشخاش ولكنهم كانوا ينتظرون منها المساعدة في زراعة محاصيل بديلة ولكنها لم تفعل. وأضاف »أن تأتي وتقضي على الحقول فهذا أمر غير عادل». وقد احتارت الحكومة الافغانية نفسها في عملية الرش التي تبدو لها مسألة غامضة. وكان الرئيس الأفغاني حميد كرزاى قد استدعى سفيري الولاياتالمتحدة وبريطانيا اللتين تعدان اكبر مانحتين للمعونات وتشاركان في جهود مكافحة زراعة وصناعة المخدرات في أفغانستان ليشرح لهما ما حدث من رش لمحصول الخشخاش في عدة مناطق من إقليم نانغارهار. وقد نفت كلتا الدولتين مشاركتهما في عملية الرش غير أن وفداً حكومياً أرسل للتحقيق في هذه القضية قد عاد إلى كابول بعينات من المادة المستخدمة في الرش والتربة لفحصها. وقال جاويد لودين الناطق الرسمي باسم كرزاى في مؤتمر صحفي نحن لا نقر الرش الجوي كوسيلة للقضاء على محصول الخشخاش ولن نسمح الآن ولا في المستقبل باستخدام المواد الكيميائية في رش حقول الخشخاش مشيراً إلى ان الحكومة الأفغانية لم تفوض أي جهة أو حكومة او شركة أجنبية القيام بمثل هذا العمل. وأشار لودين إلى أن الحكومة الأفغانية لم تصل بعد إلى قناعة بعدم جدوى الإجراءات الأخرى في القضاء على هذه الآفة وإنها قلقة من تأثير هذه المواد الكيميائية على السكان والمحاصيل الأخرى وأهم من ذلك أن الرش الذي تم بدون إذن من الحكومة يعتبر مساساً بسيادة أفغانستان. وقد نفى العسكريون الأمريكيون ضلوعهم في أو علمهم بعمليات الرش ومن جانبه أكد السفير الأمريكي لدى أفغانستان زالماى خليل زاده عدم تعاقد بلاده مع أي شركة للقيام بهذه العملية ونفى علمه بالجهة التي قامت بها. غير أن كل أصابع الاتهام تشير إلى الولاياتالمتحدة التي دافعت عن عملية القضاء على حقول الخشخاش بالرش الكيمائي حيث قال المسؤولون الأفغان بان الولاياتالمتحدة تسيطر على أجواء بلادهم ولا يمكن حتى لطائر أن يحلق فوق سمائهم بدون معرفة الأمريكيين. وكانت الولاياتالمتحدة قد أعلنت مؤخراً عن تقديمها ل 780 مليون دولار لمكافحة المخدرات في أفغانستان التي تعد المصدر الرئيسي للأفيون في العالم في العام المقبل. وسوف يقدم جزء من هذا المبلغ لشركة دايناكروب الأمنية الأمريكية لتدريب والعمل مع قوة مكافحة المخدرات الأفغانية التي تم تشكيلها حديثاً لتولي عملية القضاء على زراعة المخدرات في البلاد. مثل بقية المزارعين هنا، قال هشام بأنه يزرع الخشخاش لأنه لا يستطيع العيش من دخل مزرعته الصغيرة إذا ما قام بزرعها بالقمح.لدى مزرعتان. إذا زرعتهما بالقمح فلن يزيد محصولهما عن 30 كيلوغراماً من القمح وهي كمية لا تكفي حتى لإطعام عائلتي. إذا زرعت الأفيون باستطاعتي شراء القمح وزيت الطهي وغيره من احتياجاتنا. وقال مزارع آخر، غلام سيد-56 عاماً- وهو أب لثمانية أطفال بأنه استدان حتى يتمكن من زراعة حقله بالخشخاش على أمل أن يقوم بسداد دينه من محصوله الذي اخذ يذبل الآن. لقد قاموا بتدمير محصولي وعليه فلن يكون باستطاعتي سداد ديني.وكان الرئيس الأفغاني حامد كرزاى قد قال في مقابلة تلفازية بأنه يعتزم القضاء تماما على مزارع الخشخاش المخدر خلال عامين . وأوضح كرزاى في مقابلته يوم الأحد الماضي مع شبكة تلفزيون سي. ان. ان الأمريكية بان بلاده تعاني كثيرا من زراعة الخشخاش مشيراً إلى ان هذه النبتة تلحق أضراراً كبيرة باقتصاد البلاد وتسيء إلي سمعتها ووعد بان تعمل حكومته على استئصال مزارع الخشخاش في البلاد خلال سنتين وان تساعد المزارعين في بدء زراعة محاصيل بديلة.وجاءت تصريحات كرزاى عشية تقارير إخبارية عن دراسة عسكرية أمريكية حول الوضع في أفغانستان أفادت بان زراعة الخشخاش وإنتاج الأفيون ستشهد زيادة في البلاد وستزيد من نفوذ وسيطرة أباطرة المخدرات في أفغانستان. وكانت تلك الدراسة التي أعدها الليفتنانت جنرال ديفيد بارنو كبير القادة العسكريين الأمريكيين في أفغانستان قد رفعت الأسبوع الماضي إلى نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد خلال زيارتهما لافغانستان. وتوضح تلك الدراسة بان مقاتلي طالبان وعناصر المليشيات الأخرى ومن خلال تقوية صلاتهم بمهربي المخدرات سيكونون قادرين على استخدام التخويف والتعويل على الولاء الطائفي والقبلي بهدف تقويض سلطات الحكومة الأفغانية. وأكدت تصريحات الرئيس كرزاى الأخيرة المناهضة للمخدرات ما سبق أن صرح به بهذا الشأن خلال مراسم تنصيبه رئيسا منتخبا للبلاد. وكان الرئيس كرزاى قد دعا أيضا أبناء وطنه في افتتاح مؤتمر مكافحة المخدرات الذي استمر يومين في كابول إلى إعلان حرب لا هوادة فيها ضد تجارة الأفيون المتزايدة على نحو سريع في أفغانستان. ٭ (نيو يورك تايمز خاص ب«الرياض»)