في الاعوام الخمسة الماضية أي منذ اطلقت انتخابات رئاسية مشكوك في نزاهتها صراعاً عرقياً فظيعاً، فعلت كينيا الكثير لتظل في منأى عن تكرار تلك الأحداث. لقد اعيدت كتابة الدستور وفيه انيطت سلطات الى الولايات المُقامة حديثاً، وأنشئت محكمة عليا جديدة ولجنة انتخابية، وصدر قانون يحظر خطاب الكراهية. وازدهر الاقتصاد معززاً طبقة وسطى ومانحاً الكينيين المزيد مما يجعلهم يحافظون على السلام. بيد ان كثيراً مما سبّب العنف لم يتغير- ابتداء بالزعماء السياسيين الذين نظموا العنف وقادوه. واحد من ابرز المرشحين الرئاسيين، أوهورو كنياتا، والمرشح معه الى منصب نائب الرئيس وليام روتو، اتهمتهما المحكمة الجنائية الدولية بالضلوع في سفك الدماء في العامين 2007-2008، وربما ينبغي توجيه اتهام مماثل الى المرشح البارز الآخر، رايلا اودينغا. وعلى رغم ان لجنة وطنية لحقوق الانسان طلبت ملاحقة اكثر من مئتي شخص، فلم يجر سوى عدد ضئيل من المحاكمات. ما زالت الانتماءات العرقية هي محرك السياسات في كينيا وما زال الفساد منتشراً. ووضعت الانتخابات الجديدة في كينيا التي بدأت الإثنين (4 آذار (مارس) البلاد وحلفاءها الغربيين امام تحدٍ. ومن المتوقع ان تكون نتائج الانتخابات متقاربة وان تجري دورة ثانية في الربيع. وعلى رغم أن المرشحين الأبرز ركزوا في حملاتهم على رفض العنف، إلا ان تقارير عدة اشارت الى تشكيل ميليشيات والى توزيع أسلحة. وسيعتمد السلام على اقتراع نزيه وشفاف وعلى إعلان سريع للنتائج وعلى قبولها من الزعماء السياسيين الذين اختاروا ان يتقاتلوا بدلاً من ان الاعتراف بالنتائج قبل خمسة أعوام. ثمة أرضية للتفاؤل. لقد تبنت اللجنة الانتخابية تكتيكات بناء الثقة كإعلان النتائج في كل مركز انتخابي وحيازة ثقة مراقبين دوليين ادوا دوراً طيباً نسبياً اثناء عملية تسجيل الناخبين. وتعهدت بإعلان النتائج النهائية خلال 48 ساعة متجنبة التأخير الطويل الذي اثار حفظية الناخبين في 2007. وينتمي كنياتا، ابن اول رئيس لكينيا وروتو الى قبيلتين تقاتلتا في وادي الصدع الافريقي في 2008؛ وهما متحالفتان الآن. لكن الرجلين يواجهان امكان سوقهما الى لاهاي لمحاكمتهما بتهمة ارتكاب جرائم ضد الانسانية، حتى لو فازا في الانتخابات. وقد تجد كينيا نفسها، مثلها مثل السودان المجاور، في ظل رئيس مدان من المحكمة الجنائية الدولية ومنبوذ دولياً. وإذا اخذ في الاعتبار ان خلفيات اودينغا وكنياتا لا تختلف كثيراً عن بعضها- يفضل كلاهما السياسات المؤيدة لاقتصاد السوق- فإن عنصر المحاكمة قد يحمل العالم الخارجي على الامل ان يتحول تقدم اودينغا الطفيف في استطلاعات الرأي الى انتصار. لكن النتيجة الأهم ستكون قبول المرشحين المهزومين للنتائج قبولاً سلمياً. وعلى الولاياتالمتحدة التي تتمتع بنفوذ يعتد به – ويشمل سمعة الرئيس باراك أوباما كإبن رجل كيني- ان تضغط بقوة على الخاسرين. والعنف الذي جرى في 2007 والحل الملفق الذي ادى اليه – الحكومة الائتلافية - قدما نموذجاً سيئاً لافريقيا. وعلى كينيا ان تثبت هذه المرة ان الديموقراطية الافريقية قادرة على النجاح. * افتتاحية، عن «واشنطن بوست» الاميركية، 3/3/2013، إعداد حسام عيتاني