عبر شاشة «أون» المصرية، ترك مقدم برنامج «مانشيت» الاستوديو وحمل الميكروفون متوجهاً إلى منزل مواطن من المنصورة ليقدم لنا صورة لا مثيل لها إلا في الأفلام الوثائقية عن ضحايا الحروب. لكنها هذه المرة، لم تكن حرباً معلنة، بل حرب بلا بداية ولا نهاية ولا منطق تدور رحاها في مناطق في مصر... حروب الماضي كنا نسمع عنها، لكن حروب الحاضر نراها على الهواء مباشرة من موقع الحدث. شاشات الفضائيات تظل مسمّرة ساعات لنقل ما يحدث في الموقع الأكثر سخونة، أو ذلك الذي أصبح حدثاً في حد ذاته مثل ميدان التحرير الذي لم تغب عنه الكاميرات منذ ثورة يناير. الجديد أن الحدث لم يعد يأتي من التحرير ولا من العاصمة فقط، وإنما تحرك إلى الأقاليم والأطراف. وعلى رغم الاضطرابات في محافظة قنا ومدينة كوم أمبو أخيراً إلا أن بني سويف المحافظة الصعيدية الأقرب إلى القاهرة استأثرت بالاهتمام قبل هذا في حادث مبتكر حين قتل أحد المطلوبين للعدالة ضابط شرطة، فما كان من الشرطة إلا أن ردت بتقييد القاتل بالحبال وسحله لفترة طويلة حتى قضي عليه. وقد شاهدنا ونحن في بيوتنا هذه العملية التي يقشعر لها البدن، وقبلها كان الحدث الأول في هذا الصدد إعلامياً، أي سحل حمادة صابر بواسطة جماعة من الأمن على الهواء مباشرة، وما تبع هذا من اهتمام بالغ بالرجل ومن هو وما الذي دعاه للتظاهر أمام قصر «الاتحادية» حيث يقطن الرئيس؟ غير أن السحل يتراجع هنا أمام القتل بلا سبب، أو بعد اختراع سبب أو حجة مثل الطرف الثالث الذي يقتل ويختفي وكأنه شبح. فمنذ 25 يناير، أصبح الحديث عن القتل والاختفاء ضمن المكون الرئيسي لبرامج الإعلام المصري، خصوصاً القنوات الخاصة والفضائيات المهتمة والإخبارية. وعلى رغم أن برامج «التوك شو» هي الأكثر تناولاً لهذه الأحداث، إلا أن إعادات هذه البرامج صباحاً تجعل الحزن ممتداً على مدى اليوم. لكن للتكرار والإفاضة أيضاً مثالبهما- وربما هي مزايا - إذ أنهما يقللان من انفعال المشاهد المستمر بما يرى أمامه، وربما يرفعان مستوى التأمل والتفكير العميق لديه حول هذا القتل المعلن على الهواء، والذي أصبح يحدث هنا وهناك وكأنه طبيعي. بالتالي أصبحنا كمشاهدين مروضين تجاه فكرة العنف المجتمعي وفهم دوافعها وكيف فجرت الأطماع السياسية في حكم مصر هذا العنف. بطل موقعة المنصورة الذي عاد من عمله ليلاً ليجد سيارات الشرطة تطارد المتظاهرين، لم يتمكن من الهرب، فرفع يديه هلعاً في مواجهة المدرعة التي دهسته وفقاً لشهود. وكما بدا من تقارير الفضائيات كان «أحمد» يعمل من أجل إعالة أسرته الصغيرة: الزوجة والطفلة أسماء، وأيضاً شقيقته التي لا عائل لها. وحين ذهب مقدم برنامج «مانشيت» إلى المنزل روت أرملة الضحية رباب أن زوجها لم يشارك يوماً في التظاهرات لأنهم ليس لديهم ما يأكلونه، وبدت على وجهها البريء تكشيرة تسع العالم كله.