احتفل المسلمون في لبنان أمس بأول أيام عيد الأضحى، وأجمعت خطب العيد على دعم الدولة وقواها الشرعية وفي مقدمها الجيش. وأمّ مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبداللطيف دريان صلاة العيد في مسجد محمد الأمين في قلب بيروت. وتقدّم المصلّين رئيس الحكومة تمام سلام وممثل الرئيسين فؤاد السنيورة وسعد الحريري النائب عمار حوري، وشارك في الصلاة سفيرا السعودية علي بن عواض عسيري والكويت عبدالعال القناعي، وعدد من الوزراء والنواب وشخصيات دينية. وقال دريان في خطبة العيد: «أيها السامعون ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب، ديننا مهدد من الداخل مثلما هو مهدد من الاستهداف الخارجي وأوطاننا مهددة من الداخل بسبب أوهام الغلبة والانقسامات مثلما هي مهددة من الخارج. ودولنا مهددة من الداخل بقدر تهديدها من الخارج»، مشدداً على أن «الإصلاح ضرورة قصوى وحاضرة وهو دعوة النبيين، ليس لكي نخرج من الفتنة والمحنة فقط، بل لكي نسير في الدعوة الإبراهيمية، دعوة التوحيد والوحدة والبناء والعمل الصالح». وقال: «إنه مشهد الاجتماع الأكبر يتحقق في هذا العيد العظيم والأعمال الصالحة هي الشاهد الذي لا يكذب على صحة الإيمان وجديته. وما نشهده اليوم من فظائع باسم الدين وباسم الإيمان، دليل لا يكذب أيضاً على أن الذين يقومون بهذه الفظائع والكبائر ما عرفوا من الإيمان إلا اسمه، ولا امتحنوا علاقتهم بمولاهم عزّ وجلّ، ولا بعباده سبحانه وتعالى بالخير والعمل الصالح، بل كذبوا إعلانهم أو إعلاناتهم عن الإيمان بالفجور وأعمال السوء والشر». وأضاف: «أقبلوا على القتل وتخريب المجتمعات باسم الإيمان، والمذهب وما كان ذلك بمقتضى دعوة إبراهيم ومحمد عليهما صلوات الله وسلامه، ولا ما عرفه المسلمون في حياتهم مع نبيّهم عليه الصلاة والسلام، ولا في تجربتهم التاريخية في الحرب والسلم. فهم ما كانوا يقتلون الأسرى ولا يتعرضون للمعابد وأهل الديانات الأخرى ورجال الدين». سلاح الداخل ولفت إلى أنه «في وجه كارثة الافتراق بين الإيمان والعمل الصالح والانشقاق في الدين، يخبرنا الله بالنتائج والمآلات ويدعونا إلى الثقة به، فالقول الثابت والاتساق بين الاعتقاد والعمل الصالح هما اللذان يضعان أمتنا على سواء الصراط في الدين والخلق وفقه العيش والعلاقة مع مواطنينا ومع العالم». وذكر بما قاله في خطاب التنصيب: «إننا واقعون اليوم بين الفتنة والمحنة. الفتنة تدفعنا باتجاهات تجاوزات الآخرين واعتداءاتهم، والمحنة تتمثل في الصراع الداخلي. بدواخلنا نحن، أنصبر أم نكفر؟». وقال: «إن ما يريد الضالون والتائهون وحَمَلة السلاح على الناس أن نفعل مثلهم وأن نغادر سكينة الدين والوطن والجوار إلى اضطرابات الغلبة والفتنة واصطناع العصبيات. الصبر قوة والوحدة قوة». وقال إن «العقاب الشديد للخائضين في الفتنة والذين يعتبرون السلاح بالداخل وضد الداخل فخراً». وأضاف: «إن التعارف هو الاعتراف المتبادل، ونحن المسلمون من ينبغي أن نبادر الذين نختلف معهم بمقتضى التعارف بالاعتراف». وأشار إلى أن «التعارف في الدين هو تعارف في حياة المجتمعات والحياة الوطنية والعلاقة مع العالم وفي العيش المشترك مع مواطنينا ومع سائر البشر بالأمن والعدالة والمساواة». وسأل: «كيف يكون الأشرار مندفعين في شرورهم، ولا يكون الخيّرون حريصين على الحق والسلام والعدالة والمساواة؟». ودعا إلى «الاندفاع باتجاه المودة والتواصل والتعاون والتضامن والتعارف في الحياة الوطنية والعامة». وقال: «محتاجون إلى إصلاح في الحياة السياسية والوطنية والاجتماعية وفي مؤسساتنا ونوعية ومستوى أدائنا وفي شأننا الديني والفكري والثقافي. وإذا كان الإصلاح في الحياة الوطنية ليس مسؤوليتنا وحدنا؛ فإن الإصلاح في الشأن الديني هو أولوية ومسؤولية لنا وعلينا»، مجدداً التأكيد «أننا محتاجون إلى الإصلاح في التعليم الديني ومحتاجون الى التأهل من جديد للقيام بمهمات التعليم والتربية والفتوى والوقف والقضاء، وإذا كانت هذه مسؤولية القائمين على الشأن الديني، فإنها ليست خاصة بهم، بل تتطلب استجابة ومشاركة من المجتمع العام». وقال: «لا بد من أن يوفر لنا مجتمعنا الثقة والإمكانات لكي تكتمل عمليات التبادل بين الواجب والخيار. شباننا جميعاً نحن مسؤولون عنهم أمام الله تعالى وأمام المجتمع قبل القوى العسكرية والأمنية، وعلينا أن نعطيهم عنايتنا ليعطونا ثقتهم، ولا يجوز تركهم للأهوال والمخاطر». وقال: «لا ننسى في هذا اليوم المبارك أن هناك عائلات لبنانية لها أحباء أسرى يعانون مهانة الأسر والاحتجاز والتهديد بالقتل فنسأل الله تعالى أن يلهم عائلاتهم الصبر وأن يعيد هؤلاء المأسورين». وبعد الخطبة توجه دريان وحوري والنواب إلى ضريح الرئيس رفيق الحريري حيث قرأوا الفاتحة عن روحه ورفاقه. وكان سلام اصطحب دريان من منزله صباحاً وفق التقليد إلى مسجد محمد الأمين يرافقهما مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء إبراهيم بصبوص في موكب رسمي، وقدمت ثلة من قوى الأمن الداخلي التشريفات في باحة المسجد لسلام ودريان. وتقبّل دريان التهاني وتلقى اتصالات مهنئة من الرئيس السابق ميشال سليمان والرئيس سعد الحريري ورئيس «تكتل التغيير والإصلاح» النيابي ميشال عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع وشيخ عقل طائفة الموحدين الدروز نعيم حسن والنواب غازي العريضي وعلاء الدين ترو وجمال الجراح وقهوجي والوزيرين السابقين جان عبيد وفيصل كرامي. سوسان لانتخاب الرئيس وأمّ مفتي صيدا الشيخ سليم سوسان المصلّين في مسجد بهاء الدين الحريري في المدينة. وشارك في الصلاة، رئيس «كتلة المستقبل» النيابية الرئيس فؤاد السنيورة، وشفيق ومصطفى الحريري وفاعليات المدينة. واعتبر سوسان «أننا نعيش في هذه الأيام أزمة حقيقية على كل المستويات. على المستوى السياسي والأمني والمعيشي والخدماتي والدستوري والجغرافي الملتهب بالبارود والنار»، داعياً «في ظل كل الظروف الداخلية والخارجية، إلى انتخاب رئيس للجمهورية». وقال: «هذا الرئيس يعزز السلم الأهلي والأمن الدستوري والعيش المشترك ودور الدولة العادلة ودعم الجيش عدة وعديداً لأنه ضمانة لوحدة لبنان واستقلاله، وهو المؤسسة الوحيدة الباقية التي تحظى بالإجماع الوطني». وأكّد «بذل الجهود من أجل الإفراج عن العسكريين». وأشار إلى أن «قضية النازحين السوريين هي مسؤولية الدولة، لأن المطلوب هو عدم الاعتداء عليهم وفي الوقت نفسه ضبط تصرفاتهم». وأكد «التمسّك بالدولة العادلة وبالقوى الأمنية والشرعية وفي مقدمها الجيش اللبناني، كما ان الإخوة الفلسطينيين متمسكون بالأمن والاستقرار ويؤكدون دائماً ان امن المخيم من امن صيدا، وأمن صيدا من امن المخيم»، مطالباً ب «الاسراع بمحاكمة المعتقلين من أبناء المدينة في احداث عبرا». ودعا مفتي بعلبك- الهرمل الشيخ بكر الرفاعي الى «الوحدة والحوار والانتماء الى المؤسسة العسكرية حيث لا خيار لنا إلا خيار الدولة والحفاظ على مؤسساتها، وبخاصة المؤسسة العسكرية، بها نحمي وبها نحتمي، وهي تحمي وتدافع عن الوطن كله». وقال إن «الحفاظ على هذه المؤسسة هو حفاظ على الوطن وصمام أمان له وضمان لوحدته، وأي دعوة تنطلق من هناك أو هناك لتنال من المؤسسة انما تضرب إسفيناً في هذا الوطن، وتريد ان تعود به الى الوراء، الى عصر الانقسام والمحاور والطائفية والمذهبية». وأكد أن «الاسلام بريء من أعمال الخطف وقطع الطرق. وإذا وقعت بعض المظالم علينا لا نرد على الخطأ بالخطيئة ولا نواجه الخطأ إلا بالصح، والغدر بالوفاء». ونبّه من «مرحلة حاسمة وخطيرة، وهناك نيران مشتعلة من حولنا ولا بد من ان نحصن وطننا ومجتمعنا ونمنع الحرائق من ان تأتي وتتمدد الينا في وحدتنا وتماسكنا ومحبتنا». ولفت مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار في خطبة العيد في الجامع المنصوري الكبير في طرابلس إلى أن «لا شيء في شريعة الإنسان يتقدم على قيمة الإنسان، وهذه الشريعة هي التي نهت عن أن نقطع شجرة، وهي ذاتها التي نهت وحرّمت على أبنائها أن تنتهك بيوت الله من الكنائس والصوامع والبيع الموجودة في بلادنا العربية والإسلامية، وهي إنما بنيت في ظل دولة الإسلام وشريعة الإسلام وحكم رسالة الإسلام». وقال: «إن هذه الشريعة هي التي أمرتنا بأن نحافظ على الآخرين وفي مقدمهم النساء والشيوخ الكبار والأطفال وأولئك الرهبان المنقطعين لعباداتهم وهي التي أمرتنا بحسن التعامل وألا نعتدي على أحد وإقامة العدل والقسط مع أهل الكتاب، مسلمين ومسيحيين». وأكد أن «شريعة الإسلام فيها من السماحة والرحمة واحتضان الآخرين ما يجعلنا نتعامل في إطار القواعد الشرعية». وشكا «من الظلم في عالمنا العربي والإسلامي وفي لبنان وفي طرابلس وأي ظلم أقسى ذاك الظلم الأعمى الذي لا يعرف معنى الرحمة والذي أصاب مئات من الشباب المسلمين الموقوفين في سجن رومية منذ ربما أكثر سبع سنوات، ومن دون محاكمة وتحقيق ومن دون توجيه أي تهمة اليهم، فهل يمكن الدولة أن تعادي أبناءها؟». وحذّر أبناء طرابلس والشمال «من استخدام السلاح على أرض الوطن، ومن أن تنتقل المعركة في ما بيننا أو بين أبناء المدينة ومؤسساتها الأمنية كالجيش وقوى الأمن الداخلي، حذار ألف مرة من أن ترفع شعارات تهدم الوطن أو تخرج حامليها من إطار المواطنة أو الحرص على الوحدة الوطنية». وأبدى تضامنه «مع أصوات أهالي العسكريين المخطوفين، ولن يهدأ لنا بال حتى يعود أبناؤنا العسكريون إلى بيوتهم وإلى أهلهم ومؤسساتهم، وثقتنا لن تضعف، لا بالدولة ولا بالمؤسسات».