يبدأ الكرادلة الذين قدموا إلى روما من مختلف إنحاء العالم، غداً الإثنين عملية معقدة لاختيار البابا الجديد الذي سيخلف البابا المستقيل بنيديكتوس السادس عشر الذي تخلى عن مسؤولياته نهاية الشهر الماضي في سابقة هي الأولى من نوعها منذ ما يزيد على 600 عام. لكن، من هو البابا المثالي للكنيسة في الألفية الثالثة؟ إنه بابا يتمتع بحيوية الشباب ولا يتحدث فقط لغة دينية بل يتفهم أيضاً مشاكل العالم، وتتسم شخصيته بحزم كافٍ لإعادة أمور الكنيسة إلى نصابها، إضافة إلى الانفتاح على الأديان الأخرى وفي طليعتها الإسلام المعتدل لمواجهة التطرف السائد في العالم اليوم. وفي أعقاب ثماني سنوات من حبرية اضطرت خلالها الكنيسة إلى التعامل مع عدد كبير من الفضائح، بدءاً بالتحرش بالأطفال وصولاً إلى قضايا الفساد، غالباً ما شدد على هذه الصفات أساقفة وخبراء في الشؤون الفاتيكانية، خلال أحاديثهم الصحافية الأخيرة. ومن الضروري أن يتقن البابا الجديد بضع لغات، لكن جنسيته لم تعد مثار اهتمام كما في السابق، على أن يكون ضليعاً في الأمور العقائدية، كما يريده بنيديكتوس السادس عشر الذي عين معظم ناخبيه. ولن تكون أولويات الناخبين بالضرورة تلك التي يسود الاعتقاد أنها الأولويات المطلقة. فعندما سيلتقي في المجمع الانتخابي الكرادلة من بلدان شديدة الاختلاف، كالصين والأرجنتين ونيجيريا أو الولاياتالمتحدة، ستتنوع الأولويات كثيراً (الفساد والحروب والعنصرية والتحرش بالأطفال والحقوق السياسية والإسلام والتلاقي الثقافي والعلمنة، إلخ)، لكنها غالباً ما تكون بعيدة جداً عن «فاتيليكس» والأنباء عن «مجموعة من المثليين» أو الفضائح المالية في الفاتيكان. ويتطلع الكرادلة إلى بابا يتمتع بكاريزما يوحنا بولس الثاني، بابا يجمع الناس، ويتمتع برؤية غير ضيقة، أو «إيطالية»، بل برؤية كونية للكنيسة التي تشهد تجاذبات بين المحافظين والتقدميين، وتهددها مختلف أنواع الأخطار. ويقول ستيفن شنبك، مدير معهد بحوث في جامعة أميركا الكاثوليكية إن «الكاثوليك يريدون بابا لا يزيد من هذه الانقسامات بل يضطلع بدور الوسيط». ومن المهم ألا يكون شديد التصلب في شؤون العقيدة، على أن يتصف بالحزم في الوقت نفسه. وأوضح أحد المشاركين في مجمع الكرادلة أن «الذكاء وقوة الشخصية» بما في ذلك القدرة على الحسم عند الضرورة، مزايا لا بد منها. وأردف «أن الكنيسة تحتاج إلى بابا يعيد الاعتبار للأداء الجماعي الذي تخلى عنه كثيراً بنيديكتوس السادس عشر». وانتقد ماركو بوليتي، كاتب سيرة البابا، عصر راتسينغر الذي لم يبذل الجهود المطلوبة لإصلاح الإدارة الفاتيكانية. وقال «تحتاج الكنيسة إلى بابا يجيد فنون الحكم، على ألا يكون لاهوتياً فقط». وكشفت فضيحة «فاتيليكس» وجود خلافات في الهيئات المركزية للكنيسة. واستخدم مصرفها في السابق لتبييض الأموال القذرة. وتحرص البلدان الغربية كثيراً على أن تجعل من رسالة الإنجيل جذابة من دون أن تشوه نقاءها. وقال الخبير الفاتيكاني أندريا تورنيللي «تحتاج الكنيسة إلى بابا يجيد مخاطبة العالم، ويتجاوز حدود الكاثوليكية ويقدم الإيمان على أنه رسالة إيجابية كبيرة. إلى بابا غير منكفئ إلى داخل الكنيسة». تلك الشخصية المتواضعة والمنفتحة على المجتمع والأقل تشدداً، التي لا تحمل في جعبتها أجوبة سلفاً على كل المسائل المطروحة، هي التي ينادي بها كاردينال مانيلا الشاب لويس أنطونيو تاغل (55 عاماً)، مرشح آسيا المفضل. ورسم الكرادلة الفرنسيون أيضاً شخصية البابا المثالي في نظرهم. فهم يبحثون عن رجل «منفتح» و «داهية» «يتمتع بصحة جيدة». وقال كاردينال باريس أندريه فان - تروا «يجب أن يتحلى بالانفتاح حتى يحاول الدخول في مختلف الثقافات». لكن من المهم جداً أن يتصف ب «الدهاء» لمواجهة الانقسامات، و «الصمود في وجه العاصفة والتناقضات والخلافات». ويريد الكاردينال بول بوبار، وزير الثقافة السابق «رجلاً رؤيوياً قادراً على الاستماع إلى مختلف الآراء، رجل قرار». و «يجب أن يتحدث لغتين، أي أن يكون قادراً على التحدث بلغة الدين بتعابير البشر». واعتبر الكاردينال فيليب بارباران أن «ليس من السهولة بمكان خلافة رجل عظيم». وزاد «لن نعثر على رجال من ذوي الشخصيات المميزة كالبابوين السابقين». ويأمل المونسنيور جان - لوي توران، المسؤول عن الحوار بين الأديان، في أن يتسم البابا الجديد ب «الشجاعة». وإن «هذه المسؤولية الجسيمة، لا أتمناها لأحد، وحتى لأفضل أصدقائي».