يرى الكاتب اليومي نفسه علَّامة في الاقتصاد، فيكتب فيه، وينظّر له، ويرى نفسه في الثقافة، فيمضي كاتباً فيها، ومتحدثاً عنها، ولا ينسى المرور على السياسة، فيدلي برأيه القاطع، كما لم يتحدث أحد فيها قبله ولا بعده! وعلى رغم أنه لا يحب الرياضة، ولم يسبق له أن عدا في ملعب من ملاعبها، إلا أنه يقول فيها ما لم يقله مالك في الخمر، ويعبّر بملف الإصلاح، فلا يكتفي بما قرأ عنه أو سمعه، لكنه يريد أن يثبت لمحبيه أنه الأستاذ في مناهجه وخططه وتوجهاته. الكاتب اليومي المغرور يتحدث بشجاعة، حين يتأكد أن من يتحدث عنه لا يملك حرية الرد، وأنا أقول حرية الرد، ولم أقل لا يملك الرد، لأنه لا مقارنة بين بدع ورد، وهو ذاته الذي يتحدث بخجل إذا ما علم أن القوة الأخرى في ساحة مفتوحة في حضورها التام الكامل بعضلات متساوية على صعيد مربع البوح. الكاتب اليومي السابق أُرْهِق في مكانه، وأرهق قراءه، يعجبني فيه نفسه الطويل، وجمهوره العريض من طلاب الأعوام الأولى في القراءة والكتابة، كما يلفتني ثباته في مستطيله الكتابي على رغم بعده عن التألق، ومحاولته التسلق على أي كتف بمهارة فائقة. الكتابة اليومية يمكن أن تتحول إلى كآبة يومية، إذا مرّ الكاتب على محطات لا يعرف عنها شيئاً، ولا يتزود بالحقائق اللازمة لعبورها وتجاوزها بأمان، الكاتب الحقيقي حال مزاجية مستقلة، لكنه بمثابة العقل الانضباطي والتكتيكي الدفاعي، في لحظات الهجوم المراهق والهجومي، حين يكون الهجوم خير وسيلة للدفاع الخائب، وفوق ذلك والأهم، الصادق مع نفسه قبل كل شيء، أحب الكاتب اليومي الذي يمرر الفكرة، ويوصل الرسالة، ويفرد عضلاته الكتابية لرأي عام أو قضية حاسمة، ولا أميل إلى الكاتب المأزوم الذي يتشبث برضا الجمهور، ولو كان مخطئاً، أحب الكاتب اليومي الذي لا يتمسك بالمساحة الكتابية من أجل تسجيل حضور، لأن القارئ متى ما استشعر ذلك فلن يتردد في تسجيل توقيع الانصراف، أحبه حين يستميت في الكتابة على القضايا الوطنية من أجل الوطن تصحيحاً وإصلاحاً حقيقياً، لا من أجل تعبيد الطرق للوصول إلى مصلحة شخصية أو مجد موقت ذاتي زائل. متى ما شعرت ككاتب شبه يومي بأني أذهب إلى خانة الاندفاع غير المبرر أو الغرور أو تقمص دور الأسد في ساحة، ليس فيها سواي، فأعدكم حينها بالتوقف عن الكتابة، ومنح المستطيل الكتابي لمن هو أجدر مني، فالكتابة ليست بتملك المكان، بقدر ما هي ملء له، بما ليس شرطاً أن يتفق عليه القراء، ولكن بما يطمئنني بأن الكتابة «شجاعة دائمة أو متقطعة لا شجاعة مشتراه»! [email protected] alialqassmi@