يتوّج وزير الخارجية الاميركي جون كيري جولته الاولى، بعد توليه منصبه، باجتماعات مع المجلس الوزاري الخليجي في الرياض. وبدا واضحاً ان اختيار كيري منطقة الشرق الاوسط وملفاتها في اول تحرك دولي له يعني اعادة انعاش السياسة الاميركية في هذا الجزء من العالم، بعد إهمال امتد طوال الولاية الاولى للرئيس باراك اوباما. وقد تكون دول مجلس التعاون الخليجي من اكثر الاطراف في المنطقة التي افتقدت الدور الاميركي، أو الاصح افتقدت الاستجابة الاميركية لما تأمل به من حليف استراتيجي وشريك اساسي. وسيكون اجتماع كيري مع نظرائه الخليجيين المناسبة لإعادة وضع جردة حساب للعلاقات الخليجية - الاميركية، ومدى التطابق بين طبيعة هذه العلاقات والمصالح الخليجية، كما تحددها دول مجلس التعاون. اذا وضعنا ملف الطاقة جانباً لكونه خارج أي بحث حالياً بين الجانبين، اذ ان الجانب الخليجي ما زال يلتزم ضمان الامدادات والجانب الاميركي يضمن أمن هذه الامدادات. لم تلاق المواقف التي عبّر عنها كيري، في محطات جولته الاوروبية، مروراً بتركيا ومصر، الهواجس الخليجية، خصوصاً في الملفات الثلاثة الاكثر حساسية بالنسبة الى مجلس التعاون، وهي فلسطين وسورية وايران. ترك الملف الاول لزيارة الرئيس اوباما لاسرائيل والاراضي الفلسطينية. وذلك في الوقت الذي لم تبلور الولاياتالمتحدة أي فكرة جديدة يمكن ان تطلق مجدداً مسيرة حل الدولتين الذي دفنه بنيامين نتانياهو من دون ان تتمكن واشنطن من ردعه. والارجح انه لن يكون في جعبة كيري ما يطمئن الخليجيين الى ان بلاده ترغب بالقيام بالدور المطلوب منها كراعية لعملية السلام، لتوفير ظروف إقامة الدولتين. لكن ما يقلق الخليجيين على نحو مباشر حالياً، المنحى الذي تتخذه التطورات السورية، بعدما فشل المجتمع الدولي في وقف عمليات القتل. فمن جهة، لم توّفر للمعارضة المسلحة، رغم الدعوات والاستعدادات الخليجية، وسائل انجاز حد من التوازن العسكري على الارض مع النظام. ومن جهة أخرى، تتسع شقة النزاع المذهبي الذي يهدد دول المنطقة ذات النسيج المذهبي المتنوع، ويتيح توسعاً للتدخلات الايرانية. وحتى الآن، لم يظهر من الادارة الاميركية، ومحادثات كيري مع الشركاء الاوروبيين والمعارضة السورية، ان ثمة وسائل ضغط جديدة ستدفع بها واشنطن، سواء ميدانياً أو لتغيير المعادلة الدولية التي تتيح فرض الحل السياسي عبر مجلس الامن. وحتى لو صدرت بعض التصريحات الحماسية، يبقى القرار في البيت الابيض واوباما الذي يبدو انه لم يتخلّ عما انهى به ولايته الاولى: منع تسليح المعارضة. ويبقى الملف الاكثر اثارة للجدل وهو الملف الايراني الذي يثير في دول مجلس التعاون الكثير من الهواجس والمخاوف، بالارتباط مع التعامل الاميركي معه. فمن جهة، يُنظر في مجلس التعاون ان سياسة تسريع الانسحاب الاميركي من العراق، والتي يتبعها اوباما، اتاحت لايران سد الفراغ، وفرض ترتيبات عراقية داخلية على حساب المكون السنّي. ومع التمدد في العراق، ازدادت التدخلات الايرانية المباشرة، في بلدان مجلس التعاون واليمن، من دون ان يبدو ان الادارة الاميركية مهتمة بهذه الحساسية الخليجية ازاء الدور الاميركي. ومن جهة اخرى، ترغب دول مجلس التعاون في ضمانات حقيقية في شأن الملف النووي الايراني، ليس فقط في شأن الجانب العسكري منه، وانما ايضاً في شأن أمن المنشآت النووية الايرانية القريبة من الخليج. واذا كانت مفاوضات «5+1» لا تزال تتعثر عند بداياتها، ولا تزال طهران تتمسك بمنع تفتيش منشآتها المشتبه بها، فإنه يصبح مفهوماً القلق الخليجي المتصاعد. فهل يحمل كيري في جعبته ما يطمئن الخليجيين ازاء كل مصادر قلقهم من السياسة الاميركية في المنطقة؟