كان بالإمكان ألا اُصدم وتتحول فرحتي برؤية الكعبة والمشاعر المقدسة إلى حال من الحزن الذي أثقل قلبي، وكان بالإمكان أن يظل طليقاً حراً يقوم بخدمة والده المسن في غيابي، لم يخطر ببالي أن أقضي هذه الأيام المباركة بهذا القلب المكسور على ابني. بهذه الكلمات بدأت الحاجة السورية أم نادر حديثها إلى «الحياة» وهي تروي نبأ اعتقال ابنها ذي ال17 عاماً، من قوات النظام السوري في محافظة حماة السورية، بعد ساعات من وصولها إلى مكةالمكرمة لأداء فريضة الحج. وقالت الحاجة السورية ل «الحياة» إن ابنها الذي يعمل بمهنة حداد كان يستقطع جزءاً كبيراً من وقته لمصلحة الجيش النظامي الذي أجبره على وضع «متارس أسمنتية» أمام نقاط التفتيش التي تعج بها محافظة حماة، مبينة أن الجيش الحر استدعى ابنه وحقق معه حول طبيعة الأعمال التي يؤديها لمصلحة الجيش النظامي وأخبرهم أنه مرغم بالقوة الجبرية على عمل متارس (حواجز أسمنتية) أمام نقاط التفتيش التابعة للجيش السوري، مضيفة أنه تم إطلاق سراحه بعد يوم من التحقيق، وفي اليوم الذي يليه قام الجيش النظامي باعتقاله من داخل محل «الحدادة» الذي يعمل به من دون معرفة الأسباب، مؤكدة أن ابنها أضحى يشق طريقه نحو المجهول، مستشهدة باعتقالات تعسفية نفذها النظام السوري قبل أعوام، طالت معظم أفراد أسرتها بحجة عدم انضمامهم إلى الجيش النظامي واتهامات بأنهم يعملون لمصلحة الجيش الحر. وأوضحت أم نادر وهي تتحسر على ابنها الأصغر الذي لم يتبق لها غيره بعد أن تزوج أبناؤها الأربعة وسافروا إلى خارج سورية، أنها ظلت تتقدم لسنوات على وزارة الأوقاف السورية لتمكينها من أداء فريضة الحج، إلا أنها لم تستطع الحصول على ما تريد، معتبرة اعتراف السعودية أخيراً بأن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية هو الجهة الرسمية المخولة بإصدار تصاريح الحج للسوريين ومتابعة شؤونهم بمثابة البشرى، موضحةً أنها تفاجأت بارتفاع فاتورة الحج التي وصلت إلى 50 ألف ليرة سورية، إلا أن هذه الحاجة المكلومة لم تكتمل فرحتها بوصولها إلى مكة وأداء الركن الأعظم في الإسلام، بعد أن وردها اتصال يخبرها بأن ابنها أضحى أسيراً في سجون النظام السوري. مضت أم نادر وقلبها معلق بالسماء، وبين الوجوه والقصص والألوان وحدها تسير بخطى متثاقلة، تحمل همومها وغصة في قلبها.