لم تقنع إجراءات الحكومة بإطلاق آلاف السجناء خلال الأسبوع الماضي، وتعهدات بعض منظمي التظاهرات عدم التصعيد في تخفيف حدة خطاب المعتصمين. واستقطبت ساحات الاعتصام في الأنبار والموصل وديالى وصلاح الدين وجنوب كركوك المزيد من المتظاهرين، على رغم الإجراءات الأمنية التي اتخذتها قوات الجيش والشرطة بقطع الطرق الرابطة بين هذه المدن من جهة، وإجراءات مشددة داخل كل مدينة. وخرج الآلاف من أهالي الأنبار، معقل انطلاق الحركة الاحتجاجية إلى ساحات الاعتصام الرئيسية في المدينة في يوم اطلق عليه «جمعة العراق أولاً»، ورفض المتظاهرون الشعارات المطالبة بتشكيل الأقاليم. ودعا خطيب الجمعة في الفلوجة الشيخ محمد النوري إلى «توحيد الكلمة ونبذ الأفكار الطائفية التي تؤدي إلى إشاعة روح الفرقة بين أبناء الشعب الواحد والعمل على توحيد الصف وعدم الانجرار وراء أصحاب المشاريع الطائفية وخلق أجواء تسودها المحبة والوئام بعيداً من لغة القوة والعنف والتجاذبات السياسية التي دمرت البلاد والعباد». وأضاف أن «الابتعاد عن لغة التهديد والوعيد واستخدام القوة يفتح آفاق الحوار ويعجل في إنهاء الأزمات التي يشهدها البلد وأن بروز المليشيات المسلحة الخارجة عن القانون قد يجر البلد إلى هاوية الحرب الطائفية ويشجع بعض الدول على التدخل في الشأن العراقي». وفي ساحة الاعتصام في الرمادي أعلن وزير المال المنضوي تحت لواء ائتلاف «العراقية» رافع العيساوي استقالته من على المنصة أمام آلاف المتظاهرين، بعد ساعات من أنباء أفادت أن مذكرة قضائية صدرت للقبض عليه بتهمة التحريض الطائفي. وفي صلاح الدين أحرق متظاهرون أمس العلم الإيراني، وناشدوا الأممالمتحدة التدخل لتحقيق مطالبهم، وأكدوا إصرارهم على مواصلة التظاهر. وقال الشيخ عدي الدوري أمام المتظاهرين: «لا نريد المراوغة أيتها الحكومة ونحن مستمرون بالاعتصامات حتى تلبية حقوقنا»، مضيفاً أن «جهات حكومية اتهمتنا بالطائفية وهم أهلها ويتصرفون بموجبها». وأضاف أن الحكومة «لم تحاسب البطاط وجيشه لكنها تصم آذانها عن مطالب المتظاهرين وتصدر بحقهم أوامر بالقبض»، مضيفاً: «لو أردناها غير سلمية لجلبنا جيشاً لا تعرف نهايته، لكننا نريدها سلمية ولا نحب التأزيم وقفتنا لنصرة الحق ولسنا مع حزب أو فئة». من جهته، قال الشيخ أحمد السيد خالد، وهو أحد الناشطين في تكريت: «نطالب المنظمات الإنسانية والأممالمتحدة بأن تتدخل لوضع حد لأزمتنا وان تكون منصفة ولو لمرة واحدة، ولن نتراجع قبل تحقيق المطالب». وتلا عضو لجنة التنسيق في تكريت عبدالله النشوع «البيان رقم 18» الذي جاء فيه:»نحذر حكومة صلاح الدين. إذا سمحت لقوات أمنية قادمة من الخارج باعتقال شخصية اجتماعية أو ناشط في الاعتصامات سيقع ما لا تحمد عقباه». ودعا خطيب ساحة الاعتصام في سامراء التابعة لمحافظة صلاح الدين إلى «الإضراب العام» في عموم مدن المحافظة احتجاجاً على «تسويف ومماطلة» الحكومة مطالب المتظاهرين»، فيما طالب المتحدثون باسم لجان التنسيق مجلس المحافظة بعقد اجتماع طارئ لإقرار الإضراب العام في كل القطاعات المدنية والحكومية ما عدا الصحة والشرطة. وفي الموصل أبلغ المتحدث باسم متظاهري ساحة «الأحرار» إلى «الحياة» أن «تظاهرة اليوم (أمس) أطلقنا عليها اسم قادمون يا بغداد لاصرارنا على التوجه إلى العاصمة»، وأضاف أن «الساحة شهدت المزيد من المشاركين». وأضاف أن «المتظاهرين طالبوا بإخراج قوات الجيش والشرطة الاتحادية من المدينة وقد منعت قوات الأمن إقامة الصلاة في عدد من جوامع المدينة». ودان معتصمو قضاء الحويجة، جنوب مدينة كركوك، التفجيرات التي شهدتها مدينة الشعلة في بغداد الخميس الماضي، وشددوا على أنهم لن يتراجعوا عن مطالبهم ومنها التوجه إلى العاصمة، وأكدوا أن العراق لا يمكن أن يحكم من طائفة واحدة. في العاصمة شهد حي الاعظمية استنفاراً أمنياً، بعد قرار المعتصمين التظاهر خارج جامع أبو حنيفة النعمان، وأفادت مصادر أن قوات الأمن منعت المصلين من التجمع واعتقلت عدداً منهم. وشهدت باقي الأحياء السنية كالعامرية والغزالية والدورة والسيدية صلاة موحدة في الجوامع الرئيسية، في ظل إجراءات أمنية مشددة اتخذت. إلى ذلك، نصح رجل الدين السني البارز عبد الملك السعدي المتظاهرين بتنظيم صفوفهم ومطالبهم واللافتات المرفوعة في ساحات الاعتصام، فيما أبدى خيبة أمله من طريقة تعامل الحكومة مع المتظاهرين. وأوضح السعدي في بيان أن»الحكومة تصرفت إزاء المتظاهرين بما لا ينم عن أدنى مقاييس الاحترام واستخدم رئيس الوزراء كلمات نابية لوصف المتظاهرين وسمعنا تهديداً صريحاً بإنهائهم». وأضاف: «ثم بدأ التسويف وعدم الاكتراث بالمتظاهرين ولم تُنفذ الحكومةُ لهم شيئاً وذلك بتشكيل لجان ولقاءات جانبية لا تُحقق مطالبهم، وضايقت الحكومةُ المتظاهرين بشتى الوسائل، حتى وصلَ الأمر إلى إطلاق الرصاص الحيِّ عليهم فوقع الشهداءُ الأبرار غدراً واعتداء». وقال السعدي: «عودوا إلى رشدكم وتصالحوا مع شعبكم ، فلو دامت الدنيا لغيركم ما وصلت إليكم، أعيدوا إلى العراقيين لُحمتهم الوطنيةَ كما كانت قبل الاحتلال، ولتَكُن سياستُكم وطنية خالصة من دون أن يرسمها أحد من دول الغرب أو دول الجوار». ونصح المتظاهرين «بتوحيد الخطاب والتصريحات في ساحات الاعتصام»، منتقداً تعدد الشعارات في كل ساحة، ودعاهم إلى «تحاشي الكلمات والألفاظ التي يساء فهمها والتي توحي بالطائفية». ودعا «السياسيين الوطنيين الذين تفاعلوا مع المتظاهرين ووقفوا إلى جانبهم إلى أن يتجنبوا، في الوقت الحاضر، الظهورَ على منصات الاعتصام أو إلقاء الخطب، مع تقديرنا لجهودهم، وذلك لقطع ألسنة المفترين الذين يرمون التظاهرات بالتسييس والدعم الخارجي زوراً وبهتاناً».