حققت الولاياتالمتحدة أهدافاً كثيرة في سورية، من دون أن تتورط عسكرياً. على مدى السنتين الماضيتين قدم لها السوريون ما كانت تحلم به وتخطط لتنفيذه منذ عشرات السنين. سقط قلب التحالف الإيراني الممتد من العراق إلى لبنان. اطمأنت واشنطن إلى أن النظام السوري المقبل، أي نظام كان، لن يستطيع قول كلمة لا بعد الآن. الجيش منهك. الشعب مقسوم. البنى التحتية مدمرة. الاقتصاد منهار. السلطة سلطات. العلم أعلام. الدولة دويلات حتى لو لم يعلن التقسيم رسمياً. الإرهاب أصبح مقيماً، له حواضنه، وقواعده، وخطط تسليحه وتدريبه وتمويله. المنظمات المسلحة التي كانت تستخدمها دمشق فزاعة في مواجهة الآخرين ارتدت عليها. نشرت الحقد والتكفير في المجتمع الذي كان متماسكاً بالقوة. مطالبها ليست أقل من قتل الآخر، مسلماً كان أو غير مسلم، مؤيداً للنظام أو معارضاً يطالب بالديموقراطية. هذا التعبير محرم في قاموس «القاعدة» و «جبهة النصرة» وأخواتهما. فما بالك بتداول السلطة سلماً، أو المحافظة على الحريات العامة والخاصة. هذه بضاعة الكافرين تسقط بسلاح الكافرين وبأموالهم. هذا جزء بسيط من صورة سورية، بعد سنتين من الحروب والحصار. من يلملم الأجزاء الأخرى؟ المزيد من السلاح يعني المزيد من الدمار والتقسيم. اللجوء إلى المجتمع الدولي لم يفد في السابق. ولن يفيد الآن أو في المستقبل. أما الحوار بين الدول فلن يكون إلا على حساب الشعب المنكوب ب «ثورته» و «ثواره». قادة «الثورة» ليسوا على الأرض. لم يعرف في تاريخ الثورات كلها زعيم يقيم في الخارج ويترك أنصاره يواجهون مصيرهم ويرسمون مستقبل البلاد التي يقاتلون من أجلها. لنفرض أن رئيس الائتلاف معاذ الخطيب جلس إلى طاولة الحوار مع ممثلي النظام. هل يستطيع اتخاذ قرار؟ هل من أحد على الأرض ينفذ قراراته؟ هل زعيم هذا الحي أو هذه المجموعة مستعد للتخلي عن مكتسباته وإنجازاته وسلاحه إذا اتخذ الخطيب قراراً بذلك؟ «مكونات الائتلاف» ذاته لم تسر وراء زعيمها عندما دعا إلى الحوار. «المجلس الوطني» قاطع مؤتمر «أصدقاء سورية» في روما فكيف بالزعماء والزعران وأمراء الحروب وتجار الدم الذين أصبح لكل منهم دويلته؟ فضلاً عن كل ذلك ف «الأصدقاء» ليسوا متفقين على خطة لإنقاذ «صديقتهم دمشق». بعضهم ما زال يطالب مجلس الأمن بقرار تحت الفصل السابع فيردد «المجلس الوطني» والجامعة العربية الصدى وهما يعلمان استحالة الأمر. بعضهم الآخر ما زال متوهماً إسقاط النظام بالقوة فيطالب بمزيد من السلاح النوعي، أي مزيد من الدمار. آخرون ينتظرون قرار واشنطن التي قررت منذ البداية ترك الاهتراء ينخر الدولة والمجتمع «كي نتخلص وتتخلصوا من محور الشر وقد حققنا الكثير». ألم تقرر من سنوات «تحرير سورية ولبنان»؟ ها هي أنجزت الكثير. سورية أصبحت عبئاً على هذا المحور. أما لبنان، أو جزؤه المرتبط بهذا المحور فسيأتي دوره قريباً. ولن تستطيع دمشق أو طهران نجدته أو إنقاذه، حين يدخل في حروب مذهبية أصبحت مؤشراتها واضحة من شمال البلاد إلى جنوبها، فضلاً عن العاصمة فالسلاح لم يعد حكراً على «حزب الله». والمنظمات المسلحة الجديدة أصبح لديها عمقها الإستراتيجي في قلب سورية وصولاً إلى الإقليم. «تحرير لبنان» سيكون بعد «تحرير سورية». ولن يبقى أمامنا سوى العراق. ولتحريره حسابات أخرى فالحرب المذهبية ما زالت قائمة فيه لا يحتاج تأجيجها إلا إلى بعض المقاتلين من سورية بعد أن يفرغوا من مهمتهم. «حروب التحرير» المقبلة ستكون أشد هولاً من كل ما عشناه ونعيشه من دمار ومآسي.