في لقاءٍ باريسيٍّ سابق أفتى الأبُ الايطالي السوري باولو دينللو بضرورة العمل الحثيث على نقض الإنكار وتبعاته بدلاً من إلقاء اللوم وكيل الشتائم باتجاه كلِّ حدبٍ وصوب، وذلك في معرض حديثه عن الوضع السوري المأزوم. فما الإنِكارُ أساساً ليتم نقضهُ وتجاوز تبعاته؟ أهو صيرورةٌ ضد الطبيعة أمْ ضد الموروث؟ فإنْ كان الموروثُ بالنسبة لتاريخ الفرد كالطبيعة وقوانينها بالنسبة للإنسان، ذلك القرد العاري، حيثُ لا بدَّ له من الطعام إنْ جاع ولا بدَّ لهُ من الماء إنْ عَطِشَ وإنْ اجتاحهُ القلق، وما أكثرَ مصادره في عصرنا الراهن، وجِبَ عليه تسكينه بنوعٍ من المهدئات وما أكثرها أيضاً، حيثُ للقلقِ أسماءٌ بالكادِ تُحصى، كالقلقِ من الموت والقلق من الوحدة والهجر والنبذ والجنون. هذا القلقُ الذي أشارَ إليهِ الروائي السوري سليم بركات في روايته ما قبل الأخيرة «هِياج الإوز» حين قال: من لا تَجدُ شخصاً تُكلمه تأتي بكلب، ومن لا تجدُ شَريكاً ترافقهُ تأتي بكلب، ومن لا تجدُ أحداً تدربه على الإصغاءِ إليها تأتي أيضاً بكلب...». فلماذا نُحاربهُ، أي الموروثَ، وأحياناً كثيرة نُسفههُ تحت مُسمى العلمانية والتقدم ونترك الساحة خاوية ليحتلها الأصوليون تحت يافظة الإسلام القويم، ألم يك مُحمَّدُ ثائراً في مقاييس زمانه ومكانه حتى ننكره الآن كما أنكرَ، من قبلُ، الحواريون المسيح؟ أمْ أنها العادةُ السائدةُ بالاكتفاءِ بتملق الغرب ولِباسِ لبوسه الذي لا يُناسبُ بالضرورة مَقاساتِنا؟ وهل كان الطريقُ الى النهضةِ والتقدمِ لدى اليابانيين مَشروطاً باحتقارِ البوذية وإرثها أمْ بالتصالحِ معها؟ * كاتب سوري