من مسلّمات الوضع العام في العراق منذ الاحتلال وحتى اليوم، انتشار الفوضى، وذلك تعبير دقيق لا ينكره أحد، سواء من سياسيي التجربة الأميركية – الايرانية، أو من المعارضة الوطنية بمختلف اتجاهاتها الفكرية، أو من الشارع العراقي بمختلف أطيافه. لسنا في صدد تقويم التجربة السياسية في العراق، فهي لم تحمل أي جانب مشرق، ولم تقدم مشروع الدولة المدنية التي تغنى بها السياسيون وعزفوا فيها على وتر الديموقراطية التي ازدهر خطابها في وسائل الإعلام فقط. ولم يعرف العراقيون عن التجربة السياسية في بلادهم سوى الازمات وتفاقم الخلافات بين أقطابها من دون ان يلمسوا شيئاً يعطيهم بصيص الأمل في غد مشرق في عراق لم يعرف الهدوء. فرئيس الوزراء الذي هو القائد العام للقوات المسلحة والمسؤول الأول عن الملف الأمني في البلاد لم ينزل من قمته الهشة التي تربع عليها قبل سنوات باتفاق مكشوف بين أميركا وإيران اللتين جعلتا من نوري المالكي شماعة لأخطائهما، ولم يتنازل المالكي ولو قليلاً لشركائه السياسيين عن مكاسب وصلاحيات ادارية، مؤكداً في ذلك استناده الى الدستور الذي يعطيه الحق والصلاحية، على ما يقول، وهو فقد بتصرفاته التي خلت من الحكمة عدداً من شركائه وحلفائه، خصوصاً الأكراد منهم. يبدو ان رهان المالكي على الأميركيين والايرانيين لبقائه في السلطة لم يكن في محله، حينما تجاهل مطالب المتظاهرين في 25 شباط (فبراير) 2011، فأعطى المبرر لتفاقم الأزمة بين الطبقة السياسية الفاسدة من جهة وبين الشعب المهمش من جهة أخرى. ولا ننكر نجاحات المالكي في تحجيم شركائه السياسيين، الذين انصاعوا لرغباته من أجل مكاسب وامتيازات شخصية، بتهميش شريحة واسعة من الشعب العراقي وإقصائها، وتآمروا على مناطقهم وناخبيهم، وانضووا تحت عباءته وسلطته الديكتاتورية. بات من البديهي القول ان الانتفاضة الشعبية التي انطلقت قبل حوالى 50 يوماً في عدد من المحافظات العراقية أصبحت اقرب الى ثورة شعبية تهدد العملية السياسية برمتها منها الى انتفاضة لتصحيح مسار تلك التجربة الفاشلة، وبات واضحاً اليوم ان توافر مقومات نجاح الثورة الشعبية لإطاحة العملية السياسية الحالية بجميع عناصرها وأركانها أقرب الى الواقع من السابق. كما ان حضور القوى الوطنية المناهضة للاحتلال الأميركي – الايراني المعروفة في المشهد السياسي العراقي بات أكثر تأثيراً وقدرة على التحرك الايجابي في سبيل انقاذ العراق من مأزقه وإخراجه من الحظيرة الايرانية. من منطلق الحرص والمسؤولية، يجب علينا، كمواطنين ان نأخذ دورنا بمشاركة شعبنا في ثورته ضد الظلم والاستبداد، كل وفق قدرته واستطاعته، بانتظار اليوم الذي يجمعنا فيه العراق تحت مظلته لمرحلة سياسية مقبلة. ومن الواضح نضج الحالة الثورية لدى شعبنا واستجابته للتوجيهات السديدة لرجال الدين الأصلاء والوطنيين الأحرار، وتمثل ذلك في لفتهم الى أهمية المناداة بحقوقهم المشروعة وهي ليست مطالب، ثم تراجعهم عن قرار التوجه الى بغداد في الوقت الراهن، ثم لا بد من التنبيه الى ضرورة التثقيف بأن ثورة الشعب هي من أجل اسقاط الفوضى وإحلال النظام، استناداً الى ان العملية السياسية القائمة لم تأت سوى بالفوضى، فهي فوضى لم تؤسس لدولة وإنما أنشأت سلطة ومراكز قوى ممولة خارجياً، وأن ما دعا العراقيين الى الخروج في تظاهرات مليونية هو تلك الفوضى، اضافة الى المحاصصة والتهميش والإقصاء التي تعاني منها غالبية العراقيين. ولم يعد أمام العقلاء من أهل الحكمة سوى الذهاب مع خيار شعبهم في إسقاط الفوضى وإحلال النظام.