من الحلول المطروحة في مواجهة المعضلة التي تواجهها مهنة الصحافة حاضراً، تبرز مسألة تعزيزها بالمعلوماتية، ما يجعلها «صحافة مُعزّزة» Augmented Journalism، بالمعنى التقني المستمد من الكومبيوتر وتقنياته. يلاقي هذا الميل دعماً لها عند ملاحظة أن وقائع الحياة باتت «مُعزّزة» رقمياً، بمعنى أن البُعد الرقمي أصبح جزءاً من نسيج الحياة اليومية. ومثلاً، بات من الصعب راهناً فصل العلاقات الشخصية عن الشبكات الاجتماعية المتنوّعة، ورسائل الخليوي، وتطبيقات التواصل المتواصل عبر مواقع ك «تويتر» و «واتس آب» و «تانغو» و «فايبر» وغيرها. ويُسمي البعض هذا الواقع «المُعزّز» بأنه «حقيقة مدمجة» Compact Reality ، بمعنى اندماج البُعد الرقمي في ثناياها. ثمة تشبيه آخر يقول إن المستوى المادي المباشر من العيش، باتت «تغطّيه» طبقة أخرى رقمية، على غرار إضافة معلومة على شريط فيديو جرى تصويره بكاميرا الخليوي. وهناك من يناقش حلاًّ لمعالجة الإشكالية يتركز على الانتقال من الصحافة التقليدية إلى صحافة المعطيات («داتا جورناليزم» data journalism). يرتسم في الأفق أن الصحافي المعاصر يعمل بأيدٍ متعدّدة، فكأنه نسخة حديثة من تمثال «شيفا» في الميثولوجيا الهندية، إذ يتوجّب عليه التفاعل بقوة مع الإنترنت، وامتلاك معرفه ببرامج معالجة الصور والفيديو والنصوص والمقاطع الصوتية وغيرها. كما يفترض به أن يعرف كيفية استخدام الأدوات الإلكترونية والتقنيات الرقمية، إضافة الى معرفة سُبُل التفاعل مع الشبكات الاجتماعية الرقمية، ك «فايسبوك» و «تويتر» و «يوتيوب» وغيرها. باختصار، تتطلب مهنة الصحافة المعاصرة مهارة أكثر من السابق، وعلى الصحافي المعاصر أن يُتقِنَ مُمارسة ما يمكن تسميته ب «تقديم خدمات ما بعد البيع»، بمعنى ما: أن يعطي مؤسسته ما يمكنها من إعطاء القرّاء أشياء تتخطى حدود قراءة النصوص. تتطلّب «الصحافة المُعزّزة» تدريباً تقنياً ربما شمل حتى الأجيال المخضرمة حاضراً. ربما كان صعباً تعلّم قيادة السيّارة بعد سن ال50، إلاّ أنّه ليس أمراً مستحيلاً، فالحاجة تتطلب مثابرة وإقداماً. يكفي تذكّر أن ثورة المعلومات لا تنتظر أحداً، ففي السنوات الأخيرة، ظهرت أنماط جديدة من الإعلانات المبوّبة تفتّش عن عاملين ربما تنطبق عليهم ملامح الصحافي-ال «شيفا»، إذ تبحث الصحف والمجلات ومحطَّات التلفزة ووسائل الإعلام عموماً، عن «محرّرين لبيانات التصنيف» éditeurs de métadonnées، وناشرين متخصّصين في محركات البحث على الانترنت، ومحررين للشبكات الاجتماعية، وصحافيين لصنع مواد مرئية في الصحافة المكتوبة، و «مازج» لأشكال المعلومات «ريمكسر» Remixer... وغيرها. لأنَّ المنافسة سهلة جداً، فهناك سهولة في إنشاء وحدة تحريرية بتكلفة قليلة جداً، بمعنى غياب الحاجة للطباعة وشاحنات نقل الصحف واستوديوهات تصوير. وتشجّع هذه الأشياء أولئك الذين لديهم أفكار جديدة فعلياً للانخراط في إنشاء وسائل إعلامية، سواء أكانوا يعملون فرادى أو ضمن مجموعات صغيرة. مازالت تجربة «الصحافة المعزّزة» قيد التجربة، ومن الصعب انجازها من دون بحوث كافية ومختبرات معلوماتية قويّة تستطيع تلبية وتيرة التغيير السريعة في المهنة، والاستفادة من الفرص التي تتيحها تقنيات المعلوماتية، إضافة إلى تواصل التجارب على الأفكار الجديدة أيضاً. إضافة إلى ذلك كلّه، يبقى أن تتوافر الإرادة القوية والتصميم الثابت الذي لا يشلّه خوفُ أو قلقُ توّقع الفشل. يسهل الاستنتاج أن الوصول إلى الصحافة المعزّزة بقدراتها الذاتية في المعلوماتية وتقنياتها، يشكّل المهمة الأكثر صعوبة أمام الصحافة حاضراً، لكنه التحدي الأكثر أهمية حاضراً، إذ يُلاحَظ أيضاً تزايد انعدام الثقة الواسعة بكتّاب ال «نت»، كما ينتشر الوعي بأن المستخدمين البارعين لل «ويب» لن يحلوا مطلقاً مكان الصحافيين. هذا هو أحد الاستنتاجات الأساسيّة التي توصل إليها «مركز الدراسات للصحافة الرقمية» في جامعة كولومبيا الأميركية Tow center for Digital Journalism at Columbia University، وأصدرها قبل فترة قريبة تحت عنوان «صحافة ما بعد الثورة الصناعية».