لعل لوحات الرسام الهولندي فان جوخ المتوفى قبل 123 عاماً هي من أبقت ذكره حياً وخلدت اسمه عبر الزمان حتى الآن، إلا أن كثيراً من «الحلاقين» الذين اعتادوا رسم لوحات عدة وبأفكار مختلفة ولكن على وجوه البشر لم تشفع لواحد منهم أن تخلد اسمه بين الناس. ويبدو أن سر تخليد اسم الفنان الهولندي فان جوخ في ذاكرة المحبين يتمثل في تنوع اللوحات الفنية التي طالما زينت جدران معارض الرسومات وبعض المنازل، بيد أن لوحات الحلاق لا يتجاوز امتدادها الأسبوع الواحد برغم إعجاب الآخرين بها إلا أنها سرعان ما تختفي عن الأنظار ويذهب جهد الحلاق هباء منثوراً، ليعود مرة أخرى ويكرر لوحته البشرية على وجه شخص آخر. فإذا كان عتاد الرسام فرشاة، رقعة بيضاء، وألواناً زاهية، فإن عتاد الحلاقين شفرة حادة، معجون صابوني، وفرشاة أكبر من تلك التي يستخدمها الرسام، وهي أقل ثمناً من عتاد الرسامين، فكل ما يحتاجه الحلاق هو توزيع الصابون على خدي الشخص، ليسهل الطريق أمام شفرته الحادة في نحت الخد وإزالة الشعر الزائد. ولا يحتاج الحلاق إلى فكرة أو مزاجية معينة وأجواء خاصة كالتي يحتاج إليها الرسام قبل أن يطلق ليديه العنان في رسم لوحته الفنية، إنما تتمثل مراحل الإعداد بالنسبة للحلاق في ربط قطعة قماشية تحمي ملابس الشخص من صغار الشعيرات وكبارها، ويبدأ في تجهيز شفرته الحادة وبناء الفكرة التي يطلبها الزبون منه، لينتهي من تجهيز الرسمة خلال نصف ساعة من الزمن، ليترك الحكم النهائي للشخص بعد أن ينظر إلى «المرآة» لتقويم اللوحة التي انتهى من تجهيزها الحلاق. أشكال هندسية مختلفة، مستقيمة ومائلة، تجعل الحلاق يرضخ دائماً لرغبات زبائنه في رسم الشكل المطلوب على وجه الشخص تارة، وتارة أخرى بطرح فكرة رسمة تتلاءم مع وجه الشخص، ما يستدعي الحلاق إضافة صبغة سوداء لتعكس جمالية على اللوحة المطلوبة. ويستخدم الحلاق الصبغة السوداء في تشكيل «السكسوكة»، أو تثقيل «الزلف» وميوله، وأحياناً أخرى لتحديد الشنب «الكلاسيكي» أو «المربع»، وفي حالات خاصة يستدعي الحلاق تدخل ماكينة الحلاقة التي تُبقي قليلاً من الشعر في مناطق معينة لتزيين المنظر العام للوجه، كما لا يحلو عند البعض شكل رسمة الوجه إلا من خلال تزيين أعلى شعر الرأس ومقدمته، ما يجعل الحلاق يحول شعر رأس الزبون إلى قصة يتباهى بها بين أقرانه تماشياً مع «الموضة» معلنة انتهاء لوحة الحلاق.