كلما زادت ندرة الشيء زادت قيمته.. وكلما زادت قيمته زادت شهرته.. وكلما زادت شهرته زاد الطلب عليه ولو اقتضى الأمر تقليده أو تزويره.. هذه الحلقة المفرغة هي المعادلة التي يقوم عليها كتاب جميل قرأته مؤخرا يتعلق بتزوير اللوحات الثمينة يدعى "دليل المزور الفني" .. وهي أيضا السر في الارتفاع المتزايد لأسعار الأعمال النادرة والمشهورة - لفنانين غادروا الحياة قبل وقت طويل ؛ فالزمن وتقادم العهد يعملان كصمام باتجاه واحد يرفع الثمن ولا يخفضه في سوق اللوحات الفنية المشهورة. فالرسام الهولندي فان جوخ (الذي بيعت لوحته أزهار السوسن ب45 مليون دولار) عاش حياته معدماً فقيراً عالة على أخيه واللوحة الأخيرة أهداها لطبيبه الذي استعملها لترميم خن للدجاج.. وفي صالات بيع المقتنيات النادرة لا يخلو الأمر من المتاجرة بلوحات فنية مزورة تنسب لكبار الفنانين - الهولنديين منهم خاصة - وكثيراً ما تخرج الأخبار مجلجلة حول اكتشاف عمل مفقود لرامبات أو بيكاسو أو فان جوخ ... ولكن أين خبراء الفنون؟ أين التقنيات الحديثة من تلك المزورات ؟ في البداية دعنا نعترف بصعوبة تزوير اللوحات والمقتنيات الفنية القديمة . ولكن إذا حدث وزورت لوحة معروفة (ومشيت) على خبراء الفنون فاعلم أن صانعها ليس مزوراً فحسب بل فنان وخبير في تاريخ الفنون! ومن النصائح التي علقت برأسي - والتي يجب على أي مزور ناشئ التنبه لها - مايلي : = أولاً : يجب الإحاطة بتاريخ الفن وطبيعته في كل عصر تلافياً للوقوع في المحظور؛ فإن رغبت مثلا بتزوير لوحة لفنان هولندي عاش في القرن السادس عشر فلا تستعمل اللون الأحمر لأنهم لم يستطيعوا صنعه في ذلك الوقت.. وتذكر دائما "المصيبة" التي حلت بالمزور الألماني الشهير هانز ميغرين الذي ألقي في السجن لأنه باع للزعيم النازي هرمان غورينغ لوحة مزورة للفنان فيرمر تتضمن لون الكوبالت - الأزرق المخضر - الذي لم يكن معروفاً في تلك الأيام.. = ثانياً : يجب أن يتمتع المزور ببعض الحس البوليسي والذكاء التاريخي .. فليس من المعقول مثلاً استعمال فرشاة مصنوعة من مواد عصرية كالنايلون ثم لاتتوقع اكتشاف حقيقة تزييف اللوحة. فمن أساليب كشف التزوير تحليل بقايا الشعر العالقة على قماش الرسم.. الحل السليم هنا هو استعمال فرشاة مصنوعة من خامات الشعر الطبيعي (ويفضل المصنوع في ايطاليا أو هولندا) وخلخلة إطار الفرشاة بعض الشيء كي تعلق أكبر كمية من الشعر على اللوحة ... !! = ثالثاً : ومن الطبيعي أن يكون الدهان الذي مر على جفافه ثلاثمائة عام "غامقا" وغاية في الصلابة؛ وهذا الأمر هو مايميز اللوحات القديمة ويجعلها قاتمة ومليئه بالشقوق والتجاعيد المجهرية .. ولكن يجب أن لا يعوق تطاول القرون المزور الناشئ عن مقارعة الفنانين العظام؛ إذ يمكن الوصول لنفس النتيجة بسكب بعض القهوة فوق اللوحة المزورة ثم وضعها في فرن هادئ يزيد من قساوة الألوان ويزوده بما يكفي من الشقوق.. = رابعاً : وبالإضافة للأسلوب الفني هناك قماش الرسم الذي يجب أن يتناسب مع النوع المعروف في عصر اللوحة وليس المنتج هذه الأيام في تايوان وكوريا .. ثم لاننسى نوع الخشب وأسلوب النقش الذي يصنع منه الإطار؛ فمن الملاحظ مثلاً أن خشب الجوز هو المادة التي صنعت منها معظم الأطر التي تحيط باللوحات الإيطالية والهولندية في عصر النهضة !! ... بقي أن أشير إلى أن التزوير ينقسم إلى أنواع وتخصصات كثيرة .. فهناك مثلا التزوير الكامل المأخوذ عن النسخة الأصلية (خصوصا حين تكون مفقودة أو لايعرف مكانها).. وهناك النوع المقلد الذي يعتمد على عناصر مأخوذة من عدة أعمال أصلية تنسب لفنان معروف.. وهناك أيضا مايطلق عليه اسم "اللوحة الممسوحة" حيث يعمد المزور - بكل بساطة - إلى طمس اسم الفنان الأصلي ووضع اسمه عليها بعد إجراء التعديلات المناسبة !! ... وبناءً على هذا كله يُنصح المزور المستجد باختيار نوع العمل الذي يتناسب مع قدراته، وأن لايدفعه الطمع لاقتحام مجال أكبر منه..