أعلنت الرئاسة التونسية أمس أن الرئيس المنصف المرزوقي وافق على ترشيح حركة «النهضة» وزير الداخلية الحالي علي العريض لمنصب رئيس الوزراء خلفاً لسلفه المستقيل حمادي الجبالي المنتمي بدوره إلى «النهضة». وقال الناطق باسم الرئاسة عدنان منصر إن المرزوقي «تمنى للعريض النجاح» في تشكيل الحكومة، وسيكون أمامه مهلة 15 يوماً لإنجازها وتقديم برنامجها إلى رئيس الجمهورية. ونقلت «رويترز» عن منصر أن رئيس الدولة عبّر عن أمله في أن يقوم العريض بالعمل على ذلك «في أسرع وقت ممكن، لأن البلاد لا تتحمل الانتظار أكثر». ويفترض أن يوافق المجلس الوطني التأسيسي على تشكيلة حكومة العريض بغالبية 109 أصوات على الأقل من أصل 217 نائباً. ولد العريض عام 1955 في قرية صغيرة بمحافظة مدنينجنوب البلاد وشارك في تأسيس تنظيم «الاتجاه الإسلامي» عندما كان طالباً. تخرّج من مدرسة البحرية التجارية مهندساً سنة 1980. عمل لفترة قصيرة في وزارة النقل في الثمانينات، لكنه طُرد من عمله على خلفية نشاطه الإسلامي، وعاش سنوات من الملاحقات الأمنية والتضييق. حُكم عليه بالإعدام عندما قاد الحركة مع حمادي الجبالي أثناء الصدام مع نظام الحبيب بورقيبة في الثمانينات، إلا أن وصول زين العابدين بن علي إلى السلطة إثر انقلاب 1987 أسقط عنه حكم الإعدام، لكن أعيد اعتقاله عام 1990 في حملة أمنية واسعة على حركة «النهضة»، وقضى 16 عاماً في السجن منها ثماني سنوات في سجن انفرادي. خرج العريض من السجن سنة 2006 وساهم بشكل كبير في تأسيس هيئة «18 أكتوبر» للحقوق والحريات المعارضة لنظام بن علي والتي ضمت للمرة الأولى في تاريخ تونس الحديث معارضين إسلاميين وشيوعيين وليبراليين. ويُذكر أنه ظلّ يحتفظ بصفة الناطق الرسمي باسم حركة «النهضة» طيلة العقدين الأخيرين وحتى بعد عودة الحركة إلى النشاط بعد سقوط نظام بن علي عام 2011. وتمخضت عن هذه الهيئة التي أزعجت نظام بن علي في الداخل والخارج وثائق توافقية عدة بين العلمانيين والإسلاميين حول حرية المعتقد والمرأة وأرضية العمل المشترك. ومن بين الشخصيات المشاركة فيها علي العريض بصفته ناطقاً رسمياً باسم «النهضة»، وحمة الهمامي عن حزب العمال الشيوعي التونسي، ونجيب الشابي عن الحزب الديموقراطي التقدمي (الجمهوري حالياً)، ومصطفى بن جعفر عن التكتل الديموقراطي من أجل العمل والحريات، ومحمد عبو عن حزب المؤتمر من أجل الجمهورية. ومنذ الإفراج عن مساجين النهضة خلال حكم بن علي كان العريض هو الذي يقود تحركات الحركة في داخل تونس مع بقية الأطراف السياسية المعارضة، خصوصاً أن حمادي الجبالي كان موضوعاً تحت الإقامة الجبرية. وعُرف عن علي العريض مرونته في الحوار والتفاوض، بالإضافة إلى أنه يحظى باحترام الأطراف السياسية. ونتيجة للثورة الشعبية التي اندلعت ضد نظام بن علي في كانون الأول (ديسمبر) 2010 ونجحت في الإطاحة به في 14 كانون الثاني (يناير) 2011، تحرر الإسلاميون من القيود، وتم انتخاب علي العريض عضواً في المكتب التنفيذي ل «النهضة» من قبل الهيئة التأسيسية التي تشكلت في شباط (فبراير) 2011. وإثر انتخابات 23 تشرين الأول (اكتوبر) 2011 عُيّن العريض وزيراً للداخلية. وعُرف عنه استماعه الجيّد لمحدثيه وتفاعله الواسع مع مخالفيه في الرأي، وحظي في أغلب الأحيان خلال ممارسته لمهماته على رأس وزارة الداخلية باحترام المعارضة. لكن فترة توليه وزارة الداخلية عرفت تحديات صعبة، حيث واجه العريض هجوماً كبيراً من المعارضة والإعلام والمجتمع المدني على خلفية قمع قوات الأمن لتظاهرات في محافظة سليانة باستعمال رصاص «الرش» (يُستخدم للصيد) حيث تعالت أصوات منادية باستقالته من منصبه. كما واجه انتقادات لاذعة إثر حادثة اغتصاب فتاة من قبل أعوان أمن. ويعيب عليه خصومه الفشل في إدارة حادثة الاعتداء على السفارة الأميركية يوم 14 أيلول (سبتمبر) 2012 وأعمال العنف التي صاحبتها. وعلى رغم الأداء غير المرضي الذي أبداه علي العريض أثناء توليه وزارة الداخلية، إلا أنه يُعتبر من أكثر الشخصيات في «النهضة» انفتاحاً وقدرة على الحوار والتفاوض، بالإضافة إلى أن جزءاً من المعارضة يرى فيه رجلاً محل توافق وأمامه فرصة للحصول على توافق وطني يجمع كل الأطراف السياسية.