للوهلة الاولى تبدو الصورة الفائزة بجائزة التصوير الصحافي العالمي لعام 2013 (World Press Photo) لناظرها كأنها مأخوذة في ساحة حرب سورية. رجال انقبضت تقاسيم وجوههم وامتزج فيها الألم بالغضب، يحملون جثمانين صغيرين ويعبرون زقاقاً بالكاد يتسع للموكب الحزين. لكن الصورة في غزة. التقطها المصور السويدي بول هانسن ووصفها بعد فوزه بالجائزة بأنها «كريهة»، لأنها تلتقط لحظة خسارة عائلة لطفلين يبلغ أحدهما سنتين ووالدهما المسجى خلفهما. وبقدر ما يعتبر الحدث سعيداً بالنسبة اليه، فهو يبقى كريهاً، مقيتاً، بالنسبة الى شخصياته. وفيما تكمن قوة هذه الصورة في أنها تجسد لحظة معنوية ظهرت على وجوه الرجال بين حانق يوحي بأنه سيبحث عن الانتقام فور انتهائه من الجنازة، وجريح متألم يكاد يهوي من وزن الطفل وهول المأساة، وانكسار عام قبض على الجمهور المرافق لهما، إلا أنها تظهر تناقضاً رهيباً مع سكينة الموت وطمأنينته البادية على وجه الطفلين. الصورة من غزة. غزة التي نسيناها في خضم انجرافنا بالشأن السوري، كما نسينا العراق واليمن وغيرهما من بلدان المنطقة حيث يمكن تلك الصورة نفسها أن تلتقط... ويمكن هؤلاء الرجال انفسهم أن يعبروا أزقة لدفن صغارهم ويكتموا ألماً تظهره وجوههم. لكن على رغم ذلك، تبقى سورية طاغية على ما عداها، وحال أهلها الاقرب إلى حال أهل غزة في هذا الوقت تحديداً. وليس ذلك التقارب أو التشابه من منطلق «عاطفي» محض وإنما من معطيات «موضوعية» أيضاً. فبعد سنتين من انطلاق الثورة السورية، وسنوات من جرح غزة النازف، لا عنف استخدم ضد المدنيين كما فعلت اسرائيل ونظام الاسد. الآلة العسكرية المتوحشة التي ضربت وتضرب الاراضي الفلسطينية ودمرت لبنان في 2006 وأسالت حبراً كثيراً لأنها «عدو»، تفوقت عليها صواريخ سقطت على حلب وحمص ودمشق. إلا أن الأخيرة من طراز سكود والتي للسخرية حملت اسم «جولان»، ما زالت غير قادرة على تحريك ضمائر ممانعين كثر في المنطقة ولبنان على وجه الخصوص. وإذ يذرف هؤلاء دمعاً سخياً على غزة، يستكثرون موقفاً على سورية. فما الذي يجعل غزة أعز على قلوبهم من دمشق؟ وإذ يتستر هؤلاء بعباءات اليسار والعلمانية وحماية الاقليات ومقاومة إسرائيل وغيرها من الذرائع، يبقى أنهم عملياً يقبلون على ذاتهم مشاهدة آباء محطمي القلوب يعبرون الازقة لدفن صغارهم. أحد اعضاء لجنة التحكيم في الجائزة السنوية التي رشحت اليها هذا العام أكثر من ألف صورة من حول العالم، قال إن معيار اختيار الصورة الفائزة هو أن «تحرك العقل والقلب والمعدة». أليس هذا معياراً كافياً بدوره في السياسة؟ * صحافية من أسرة «الحياة»