يتداول الروس دعابة تعبّر عن ولعهم بالمبالغة في كل ما يتعلق بشؤون بلادهم وإنجازاتها، مفادها أن الدولة العظمى في السابق، صنعت أكبر صاروخ، وأضخم مترو أنفاق وأهم جهاز إستخبارات و... آخر اتحاد سوفياتي. وحديث المبالغة والسخرية منها عاد إلى الواجهة أخيراً، مع إعلان انطلاق العدّ العكسي لإستضافة دورة الألعاب ألأولمبية الشتوية في شباط (فبراير) المقبل في منتجع سوتشي على البحر الأسود. سيدخل الأولمبياد المرتقب تاريخ الألعاب الشتوية بعدد من الأرقام غير المسبوقة، لجهة ضخامة التحضيرات وإتساعها لتشمل عدداً من المدن، وعدم اقتصار عمليات البناء على منشآت رياضية بل إمتدت لتحوّل المنطقة إلى أكبر ورشة عمل في العالم تقام فيها بنى تحتية يقول القائمون عليها إنها ستكون الأفضل مقارنة مع المدن التي إستضافت ألعاباً أولمبية. 37 بليون يورو، خصصت لتحوّل اولمبياد سوتشي إلى أغلى دورة للألعاب الشتوية أو الصيفية في التاريخ. متفوقة بذلك على التحضيرات الهائلة لألعاب بكين العام 2008 التي وقفت عند حاجز ال30 بليوناً. ولا تقتصر لعبة الأرقام والمبالغة فيها، على الإشارة إلى أن الموازنة الكبرى تزيد بنحو 20 ضعفاً عن المعدلات الطبيعية لتنظيم ألعاب مماثلة في أي بلد، بل تتجاوز ذلك لتعكس أن الروس أنفسهم ما كانوا يتوقعون عندما وضعوا العام 2007 أول موازنة للفعاليات الرياضية المنتظرة أن يضاعفوا من حجمها خمس مرات خلال مراحل البناء والتحضير. وغدا هذا الموضوع مادة غنية لتندّر البعض وإبداء آخرين حسرتهم لأن هذه الأموال كان يمكن أن تنفق في شكل يعود بجدوى أكبر على البلاد وسكانها، خصوصاً بعدما أشارت أكثر التقديرات تفاؤلاً إلى أن عائدات الأولمبياد الفاحش الثمن لن تزيد في المحصلة عن بليوني دولار. وعلى رغم ذلك لا تبدي السلطات قلقاً كبيراً حيال ذلك، وتبريرها أنها لم تنفق الأموال التي تبخّر نحو ثلاثة أرباعها حتى الآن، على إقامة منشآت رياضية تستخدم مرة واحدة وحسب، بل عمدت إلى إستخدام المناسبة للنهوض ببنى تحتية أساسية ستبقى فائدتها لعقود طويلة، ومثال ذلك بحسب اللجنة المنظمة للألعاب أنه تم إنشاء 367 كيلومتراً من الطرق والجسور الجديدة خلال 4 سنوات، إضافة إلى 200 كيلومتر من سكك الحديد التي ستسيّر عليها قطارات حديثة سريعة تربط سوتشي بالعاصمة موسكو. كما مدّت السلطات خطاً للغاز الطبيعي إلى المدينة ومحيطها، وأقامت شوارع حديثة وأنفاقاً وفنادق ومجمعات لم تخطر ببال سكان المنطقة قبل سنوات. ويعتبرهم البعض «ضحايا» لأنهم دفعوا ثمناً غالياً، إذ كلفتهم استضافة الأولمبياد بيوتهم ومناطقهم التي ألفوها، بعدما اضطروا للتخلّي عنها، لاقامة منشآت تليق بضيوف الدورة وزوارها. وتصرّ الحكومة على أن الثمن المدفوع مادياً وبشرياً لن يذهب هباء، فالمجمعات الرياضية الفاخرة التي باتت جاهزة تقريباً، ستستخدم بعد انتهاء الدورة لأغراض رياضية، بينها ملاعب لاستضافة «مونديال» 2018 لكرة القدم وسباقات سيارات فورمولا واحد. في المقابل سيتحوّل ملعب «أدلير – أرينا» الضخم إلى معرض، وسيغدو المركز الإعلامي مجمعاً ترفيهياً وتجارياً. لكن ستبقى سوتشي قبلة سياحية لهواة التزلج بعد إنشاء 36 مساراً للتزلج الجبلي طولها الإجمالي 70 كيلومتراً. وفي مقابل حماسة الحكومة، يؤكد منتقدون أن التكاليف الحقيقية للبنى التحتية المقامة لم تزد في أحسن الأحوال عن ربع المبلغ المرصود، وأن الباقي التهمه غول الفساد المستشري في البلاد كما نقلت إذاعة «صدى موسكو» الواسعة الانتشار عن خبير أشار إلى أن الغالبية الساحقة من الشركات التي فازت بتعهدات البناء في المنطقة تأسست قبل إطلاق المناقصات بوقت قصير جداً، ما يرمي بشكوك حول أصحابها. كما أن الشركات المنفذة فعلياً للمشاريع هي مؤسسات تعمل من الباطن، تسلّمت العمل من الشركات الفائزة بحصة الأسد. وبحسب تقديرات الخبير يحصل منفذون مباشرون لمشاريع عملاقة على أقل من ربع الموازنات المخصصة لذلك. ناهيك عن تأكيد البعض أن الشركات المنفذة تبيع المواد الأولية مثل الحديد والإسمنت بأسعار بخسة في السوق السوداء.