أن تكون امرأة في مجتمع ما هذا ما يعني أن كثيراً من حقوقك ستنالها المصادرة، لأنك الطرف الأضعف، مالم يكن لدى المقابل لك تقوى وعدل ينصفك، أو يكون لدى المجتمع شرعة وقانون تحتمي به، وقد قرر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الحقيقة، كما أخرج ابن ماجه بسند حسن من حديث أبي هريرة: (إني أحرج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة). والمتأمل في نصوص الأحاديث النبوية لمكانة المرأة في المجتمع النبوي، يأسف لما آلت إليه تلك المكانة، ومن المسؤول عن تغييب كثير من النصوص الشرعية في التعامل مع المرأة في حياتنا؟ ولم لا يستدل بالنص الشرعي من البعض إلا لتعيير المرأة والحطّ من قدرها، فما بين (ناقصة عقل ودين) و(خلقت من ضلع أعوج) و(النساء أكثر أهل النار)... إلخ، ومع أنها نصوص شرعية ثابتة لكنها توظف توظيفاً سلبياً! دعني أضرب لك الأمثلة لمكانة المرأة في المجتمع النبوي وأجعل المقارنة مفتوحة بين يديك: - أن يزوج الأب ابنته بغير رضاها، ويقرر مصير حياتها مع من لا ترغب، ومع ذلك لا تسمع من ينصفها أو على أقل حالات التقدير من لا يتهمها بالعقوق وعدم البرّ إن هي أبدت الاستياء، هذا ما نراه من البعض، مع أن المرأة في المجتمع النبوي كانت امرأة حقوقية لا يمنعها هيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفيع مقامه من المطالبة بحقوق النساء من خلفها، وفي سنن ابن ماجة جاءت فتاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته. قال: فجعل الأمر إليها. فقالت: قد أجزت ما صنع أبي، ولكن أردت أن تعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء. لقد تفهّم رسول الله ما الذي يعنيه المتاجرة والتجمّل بأبضاع النساء، فردّ الأمر إليها، لأنها صاحبة الشأن. ولم تنقل الراويات أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تصبر وتحتسب وأن تسمع لأبيها وتطيع، لأنه نبي العدل، ولا يمكن أن ينصر الظالم على المظلوم، وقد يرد البعض هذا الحديث لضعف في إسناده، وإن كان من أهل العلم من يحسنه، فماذا يصنع بحديث الخنساء بنت خدام الذي أخرجه البخاري في باب: إذا زوّج ابنته وهي كارهة، فنكاحه مردود، وفي حديث الخنساء أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهْيَ ثَيِّبٌ فَكَرِهَتْ ذَلِكَ فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ نِكَاحَهُ. - بل بلغت مطالبة المرأة بحقها أن تشتكي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ضعف زوجها الجنسي، وتطالب بفسخ النكاح في حضرة أبي بكر، ولم يمنعها الحياء وهنّ المتربعات على عرشه أن يسألن عن حقهن في ذلك. وفي البخاري حديث طويل فيه عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: قَالَتْ جَاءَتْ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا جَالِسَةٌ، وَعِنْدَهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ تَحْتَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلَاقِي، فَتَزَوَّجْتُ بَعْدَهُ عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْر، وَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا مَعَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا مِثْلُ هَذِهِ الْهُدْبَةِ، وَأَخَذَتْ هُدْبَةً مِنْ جِلْبَابِهَا. وفي رواية(ولم يكن معه إلا مثل الهدبة، فلم يقربني إلا هنة واحدة لم يصل مني إلى شيء فأحل لزوجي الأول) ورسول الله يتبسم. ولو أن امرأة طرحت هذه المشكلة في حضرة من هو أقل شأناً من رسول الله، لاتهمت بقلة الحياء وسوء الأدب، هذا إن أعطيت فرصة لتكمل حديثها، أو كانت تثق في سعة صدر من أمامها لتبثّ له همها. - إن المرأة اليوم تسمع كثيراً عن واجباتها، وأن عليها أن تسمع لزوجها وتطيع، لأنه جنتها ونارها، وأن النساء من أهل الجنة الودود الولود العؤود على زوجها، وكل ما تقدم معنى حق صحّت به الأحاديث النبوية، لكنها قلّ أن تسمع رسائل توصي الرجل بتحمل النساء ومداراتهن، لأن رسول الله سيد الخلق كثير الأعباء والمشاغل تحمّل من أمهات المؤمنين وهنّ الصالحات القانتات ما قل أن يتحمله رجل، وفي صحيح البخاري من حديث ابن عباس الطويل عن عمر: وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى الْأَنْصَارِ إِذَا هُمْ قَوْمٌ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ، فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَأْخُذْنَ مِنْ أَدَبِ نِسَاءِ الْأَنْصَارِ فَصِحْتُ عَلَى امْرَأَتِي، فَرَاجَعَتْنِي فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي، فَقَالَتْ: وَلِمَ تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ، فَوَاللَّهِ إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليُرَاجِعْنَهُ، وَإِنَّ إِحْدَاهُنَّ لَتَهْجُرُهُ الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ، فَأَفْزَعَنِي، فَقُلْتُ: خَابَتْ مَنْ فَعَلَ مِنْهُنَّ بِعَظِيمٍ، ثُمَّ جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي، فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ، فَقُلْتُ: أَيْ حَفْصَةُ، أَتُغَاضِبُ إِحْدَاكُنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ. فلم لا يتحمل الرجل اليوم مراجعة المرأة وهجرها ورفع صوتها مع أن رسول الله أسوته قد تحمله؟ أرى أن مساحة المقالة ضاقت، وما في المجتمع النبوي لم يضق بنا معاشر النساء، فإلى لقاء في المقالة القادمة. * داعية، وأكاديمية سعودية. [email protected]