وضعت الضربات الجوية بقيادة الولاياتالمتحدة على المتشددين الإسلاميين - الذين يستلهمون فكر تنظيم «القاعدة» في سورية - خصوم الرئيس السوري بشار الأسد في المعارضة المعتدلة في مأزق. ويقول المعارضون الذين يدعمهم الغرب إنهم يواجهون نتائج عكسية من جانب السوريين الذين أغضبتهم الهجمات على رغم أنه لم يتم اطلاعهم على الضربات الجوية الموجهة لأعدائهم في تنظيم «الدولة الإسلامية». وهذا قد يعقّد خطة واشنطن لتكوين قوة برية من جماعات المعارضة المتباينة للتصدي للمتشددين الإسلاميين. ويقول مقاتلو المعارضة إن وقوع خسائر بشرية بين المدنيين في الحملة الجوية التي بدأت قبل أسبوع والارتياب في الدوافع الأميركية يعرضان للخطر التأييد الشعبي الذي اكتسبوه خلال قتالهم قوات الأسد. وقال أحمد السعود قائد مجموعة من قوات المعارضة تعرف باسم الفرقة 13 منذ هروبه من الخدمة بالجيش السوري عام 2012 «ثمة غضب شعبي موجه لنا». وتقول فرقته إنها جزء من الجيش السوري الحر الذي يضم مجموعة من الفصائل التي يدعم بعضها مانحون من بينهم الولاياتالمتحدة ودول الخليج العربية التي أيدت الانتفاضة على حكم الأسد. وتتباهى الفرقة 13 بأنها تضم 1700 مقاتل وتقول إنها تحتاج كل شيء من الأحذية إلى السلاح على رغم أنها حصلت على مساعدات خارجية. وقال قائدها إن وضعها كقوة يؤيدها الغرب يعني أن الناس يعتبرونها داعمة للضربات الجوية. وأضاف في مقابلة بمدينة ريحانلي التركية قرب الحدود السورية: «نحن نؤيد الضربات الجوية لكن الضربات الجوية ضد الدولة الإسلامية والنظام». وقالت الولاياتالمتحدة إنها تحقق في مزاعم عن سقوط قتلى بين المدنيين من جراء الضربات الجوية وإنها تبذل جهداً كبيراً لتفادي وقوع خسائر. ومع ذلك أظهرت لقطات فيديو مصورة على موقع «يوتيوب» أن السوريين احتجوا على الضربات الجوية في عدة مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة يوم الجمعة. وفي حين أن واشنطن قالت إنها لن تتعاون مع الأسد الذي تقول إنه فقد شرعيته كرئيس لسورية فقد تفادت ضرباتها الجوية ضرب أي أهداف حكومية. وشد ذلك من عزم دمشق بعد عام من تراجع الولاياتالمتحدة عن شن عمل عسكري ضد الأسد. وفي الأسبوع الذي انقضى منذ بدأت الضربات الجوية واصلت قوات الأسد هجماتها على مختلف الجماعات المعارضة التي حاربتها في الحرب الأهلية المستمرة منذ ثلاث سنوات ونصف السنة. ولا يقل حرص المعارضة السورية عن حرص أي طرف آخر على وضع نهاية ل «الدولة الإسلامية» التي استولت على ثلث مساحة البلاد أغلبها بالاستيلاء على أراض كانت جماعات أخرى قد استولت عليها من القوات الحكومية. لكنها تخوض أيضاً معركة من أجل البقاء في مواجهة الجيش السوري وحلفائه بمن فيهم «حزب الله» اللبناني. ولأن قوات المعارضة تقاتل الطرفين - قوات الأسد وتنظيم «الدولة الإسلامية» - فليس لها مصلحة في تصعيد القتال مع المتشددين في الوقت الراهن إلا إذا كانت واثقة أن سلاح الجو السوري لن يهاجمها في ما ستستولي عليه من أراض. ويقول أعضاء في جماعات معارضة تقاتل قوات الأسد وتنظيم «الدولة» في شمال سورية إنه لم تظهر حتى الآن أي بادرة على التنسيق مع التحالف الذي تقوده الولاياتالمتحدة الذي يمكنه أن يوفر مثل هذا الغطاء الجوي. وقال «أبو عبده» من المكتب السياسي لجيش المجاهدين أحد جماعات الجيش السوري الحر ويضم على حد قوله 7000 مقاتل: «ليس من صالحنا أن نقاتلهم (الدولة الإسلامية) في هذا الوقت لمجرد أن بعض صواريخ توماهوك يسقط عليهم... من دون أن نعرف أن النظام فقد تفوقه الجوي علينا بالكامل». وأضاف في مقابلة بمدينة غازي عنتاب التركية: «سيقضون علينا قصفاً ويسلبون منا أي تقدم نحرزه. سيبدو الأمر وكأننا نطهو وجبة لكي يأكلها النظام في النهاية». ما من بادرة على أسلحة إضافية وقال «أبو عبده» إن جيش المجاهدين - الذي تشكل في بداية العام من دمج ثماني جماعات معارضة أصغر - موضع فحص الآن لمعرفة إن كان مؤهلاً للحصول على مساعدات من الجهات المانحة بما في ذلك الولاياتالمتحدة. لكنه أضاف أن واشنطن «لن تتمكن من حشد أصدقاء على الأرض من دون أن تأتي بخطة كاملة (للدولة الإسلامية) والنظام». وقد حصل عدد محدود من فصائل الجيش السوري الحر على تدريب عسكري في برنامج تدريبي سري أدارته وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. لكن الدول الغربية ترددت في توفير دعم عسكري كبير خشية أن يقع في أيدي المتطرفين. وتعتزم الولاياتالمتحدة تدريب آلاف من قوات المعارضة المعتدلة في إطار استراتيجيتها لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية». لكن البرنامج قد يستغرق سنوات عدة. ويقول مقاتلون من المعارضة يحاربون في شمال سورية إنهم لا يرون أي مؤشرات على التعجيل بتوزيع الأسلحة على رغم أن بعضهم يأمل بتسلم المزيد قريباً. وشهدت الليلة الأولى للضربات الجوية هجوماً على مقاتلي تنظيم «القاعدة» في جماعة «جبهة النصرة» في منطقة تعمل فيها جماعات مرتبطة بالجيش السوري الحر أيضاً. ودانت جماعات معارضة يدعمها الغرب الحملة الجوية ووصفتها بأنها تدخل خارجي غير مرغوب. وتقول هذه الجماعات إن موقف الولاياتالمتحدة بالنسبة إلى بعض جماعات المعارضة أثار تساؤلات في شأن جدول أعمالها فقد أبلغت واشنطندمشق بالضربات مسبقاً لكنها لم تبلغ الجماعات. وقال مسؤول بوزارة الدفاع الأميركية ل «رويترز» إنه لا يوجد جماعة جاهزة بما يكفي في صفوف المعارضة السورية المعتدلة الآن يمكن التحدث معها في شأن تنسيق الضربات الجوية. حلب ومع سقوط القذائف شرقاً على تنظيم «الدولة الإسلامية» لم يحدث أي تحرك يذكر لخط رئيسي للجبهة قرب حلب حيث تحارب فصائل مرتبطة بالجيش السوري الحر ومن بينها جيش المجاهدين لوقف تقدم «الدولة الإسلامية». كذلك تكافح الفصائل نفسها في ذات الوقت على جبهات أخرى لمنع القوات الحكومية من فرض حصار على حلب. وتقول المعارضة إنه إذا نسّق التحالف النشاط العسكري ضد «الدولة الإسلامية» معها في محافظة حلب فإن هذا سيمثل تحولاً كبيراً باتجاه إشراكها مباشرة في المعركة. لكن هذا لم يحدث حتى الآن. وقال حسام المرعي الناطق باسم الجيش السوري الحر في شمال سورية: «الاتصالات ما زالت ضعيفة للغاية في ما يتعلق بالضربات الجوية. لم يحدث أي تنسيق على الإطلاق. وقد وعدونا بفتح خطوط الاتصال بدرجة أكبر». وتشمل الاستراتيجية الأميركية لمحاربة «الدولة الإسلامية» تدريب 5000 مقاتل سوري من المعارضة في السنة الأولى من برنامج عرضت السعودية استضافته وربما يستمر عدة سنوات. ويوم الجمعة قال الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان المشتركة إن من الضروري تشكيل قوة مشتركة من المعارضة المدعومة من الغرب تتألف مما يتراوح بين 12 ألفاً و15 ألفاً لاستعادة المناطق التي تسيطر عليها «الدولة الإسلامية» في سورية. وتم توجيه جزء محدود من المساعدات المالية والعسكرية إلى جماعات معارضة معتدلة عن طريق هيئة تضم دولاً أيدت الانتفاضة على حكم الأسد. وإحدى الجهات المستقبلة للمساعدات حركة «حزم» التي تشكلت في بداية السنة من فصائل من الجيش السوري الحر. وتم تزويدها بصواريخ مضادة للدبابات أميركية الصنع لم تستخدم من قبل في الحرب. لكنها ما زالت تعاني من نقص في السلاح الأمر الذي يجعلها تنشر - كما قال أحد قادتها ويدعى أبو عبدالله - جزءاً بسيطاً من مقاتليها البالغ عددهم 5000 والذين تدفع لكل منهم مرتباً شهرياً يبلغ 100 دولار. وأضاف: «حزم اليوم تعتبر مدعومة من الولاياتالمتحدة لكن الدعم الذي تحصل عليه لا يعكس ذلك». وقال المسؤول في وزارة الدفاع الأميركية إن من السابق لأوانه الحديث عن تزويد قوات جديدة بما تحتاجه عموماً لأن برنامج التدريب الأميركي بدأ لتوه. وتحوّل الدعم إلى سلاح ذي حدين إذ حاولت حركة «حزم» كسب التأييد بين السوريين في المناطق التي تعمل فيها. وأصدر «جيش المجاهدين» و «حركة حزم» بيانين يدينان الضربات الجوية للتحالف. وقال عبدالله: «الناس تقول إن التحالف مع بشار، وهذا يضعنا نحن الجماعات المعتدلة في وضع صعب أمام الشعب السوري».