احتفل عراقيون، على غير عادتهم، ب«الفالنتاين» كما لو أنهم لم يحبوا من قبل. في الأسبوع الذي سبق 14 شباط (فبراير) الجاري، تحوّلت بغداد إلى مدينة تحب. كلمات الحب، وبضائع عيد العشاق في كل مكان. ثمة اختلاف كبير هذا العام، إذ جاء «يوم الحب» في عز أزمة سياسية تهدّد العراقيين بمزيد من «الكراهية». عشية ذلك اليوم، الذي لم يكن العراقيون يكترثون له كثيراً، كانت العائلات البغدادية تتحسب لانفجار أزمة جديدة تدفعهم إلى المكوث في المنازل، والعودة مجدداً إلى أجواء الحرب الأهلية عام 2006. وتحدث صحافيون عراقيون، في وسائل محلية مختلفة، عن احتمال إعلان حظر تجوال في بغداد في 14 شباط (فبراير)، على خلفية انتقال اعتصام سكان مدينة الأنبار إلى العاصمة. وبدأ الشحن الطائفي يسجل حضوراً جديداً، وخيّم القلق على الجميع. لكن شوارع بغداد كانت تحضر لذلك اليوم الكثير من الحب. في ساحة التحرير، وسط بغداد، تجمّع ناشطون شباب للاحتفال ب«الفالنتاين». كانت الدعوة أن يتخلى السياسيون العراقيون عن الكراهية، وصناعتها، بينما الشعارات التي رفعها هؤلاء تشكو أفعال السياسة فيهم. كتبوا تحت نصب الحرية: «قتلتم الإنسانية فينا»، في إشارة إلى السياسيين العراقيين. تقول الناشطة والأكاديمية العراقية شروق العبايجي إن العراقيين هذا العام بالغوا في الاحتفال بيوم الحب. وهذا أمر طبيعي. ذلك أنهم يتعايشون مع ما يكفي لتكريس الخلافات والكاهية بينهم. احتفالهم المبالغ فيه مبرر لأنهم يحاولون استعادة تقاليدهم الاجتماعية. وفي منطقة الكرادة، وسط بغداد، غطى اللون الأحمر الأسواق والشوارع. واكتظ الحي البغدادي الراقي بالعائلات وهي تتجول كما لو أنه كرنفال عراقي مستحدث. لم يكن أحد معتاداً على مثل هذا المشهد سابقاً. وشهدت الأسواق والمراكز التجارية في بقية أحياء العاصمة عرضاً غير مسبوق لهدايا يوم الحب. وهيمن الأحمر على واجهات العديد من المحال التجارية، فيما أقبل العراقيون في شكل ملفت للنظر لاقتناء أنواع مميزة من الهدايا، فاكتظت الأسواق بهم خلال ساعات المساء، وكل منهم يحمل بضاعته. وبدا أن يوم الحب يحظى بشعبية واسعة بين كل الطوائف والأديان. ويقول الناشط والصحافي العراقي علي السومري إن «من اللافت أن يجد المرء في بغداد كلمة حب مبذولةً أكثر من مرة في بلد أثقلته الأزمات والتداعيات السياسية ووضعته في منطقة خطرة جداً»، معتبراً ذلك «أمراً غير مسبوق في بغداد». وفي مكان آخر في العاصمة، دعا ناشطون عراقيون إلى الاحتفال بالمناسبة في مدينة الزوراء الترفيهية. وفي أقل من ساعتين، احتشدت العائلات البغدادية في مكان الاحتفال، وأطلقت عشرات البالونات في الهواء وقد خُطّ عليها شعارات مثل: «العراق... أحبك»، فيما كان لافتاً اهتمام العائلات البغدادية بالمناسبة على رغم فتاوى التحريم. واعتبر شباب وناشطون عراقيون شاركوا في مهرجان «الديوانية حبيبتي»، وهي محافظة تقع إلى الجنوب من مدينة بغداد، إحياء المناسبة «دحضاً لادّعاءات السياسيين بأن البلاد ذاهبة إلى حرب طائفية». وأشار رئيس منظمة «نيبور» لتنمية القدرات الشبابية مرتضى تومين إلى أن «مجموعة من الشباب بجهود طوعية تمكنت من إحياء يوم الحب في الديوانية، وتحويله هذا العام إلى (حب) الوطن». ووجد العراقيون أن يوم الحب كان فرصة لإظهار صوتهم المضاد للخطاب السياسي السائد. كان الفعل الشعبي، وانخراط العائلات العراقية في نشاط كبير فيه، مؤشراً إلى شكل جديد من أشكال المعارضة. وهو أيضاً أظهر أن العراقيين يبحثون عن طرق مختلفة للتعبير عن آرائهم، خصوصاً في ما يخص الأزمة السياسية. وبعد شيوع لغة الكراهية وعودة العنف، تحول ال»فالنتاين» إلى يوم سياسي مشحون بالعاطفة. ووقع الاختيار هذا العام على «الوطن الحبيب الذي أنهكته الكراهية».